للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[هذا باب ما ينتصب انتصاب الاسم بعد المقادير]

وذلك قولك: ويحه رجلا! ولله دره رجلا! وحسبك به رجلا! وما أشبه ذلك، وإن شئت قلت: ويحه من رجل! وحسبك به من رجل! فتدخل (من) هاهنا كدخولها في (كم) توكيدا وانتصب الرجل لأنه ليس من الكلام الأول، وعمل فيه الكلام الأول فصارت الهاء بمنزلة التنوين، ومع هذا- أيضا- أنك إذا قلت: ويحه! فقد تعجبت وأبهمت، من أي الأمور تعجبت؟ وأي الأنواع تعجبت منه، فإذا قلت: فارسا أو حافظا فقد اختصصت ولم تبهم، وبينت في أي نوع هو. ومثل ذلك قول عباس بن مرداس:

ومرة يحميهم إذا ما تبدّدوا ... ويطعنهم شزرا فأبرحت فارسا (١)

كأنه قال: فكفى بك فارسا، وإنما يريد: كفيت فارسا، ودخلته هذه الباء توكيدا.

ومثل ذلك قول الأعشى:

تقول ابنتي حين جدّ الرحيل ... فأبرحت ربّا وأبرحت جارا (٢)

ومثله: أكرم به رجلا.

قال أبو سعيد: جميع ما ذكر في هذا الباب من الهاءات إنما هو ضمير ما قد ذكر، وإنما يجري ذكر رجل- زيد أو عمرو أو غيرهما- فيبقي عليه ويذكر اللفظ الذي يستحق به المدح فيقال: ويحه رجلا! فإذا قلت ذلك دللت على أنه محمود في الرجال، متعجب من فضله.

وإذا قلت: ويحه فارسا أدللت على أنه متعجب منه في فروسيته.

وإذا قلت: ويحه حافظا! فالتعجب وقع من حفظه دون سائر الأشياء فيه.

وكذلك لو قلت: ويح زيد بزّازا! كأن المدح له والتعجب منه وقع في البزّ، وقد


(١) البيت في الكتاب ١/ ٢٩٩، والمقتضب ٢/ ١٥١، والأصمعيات ٢٠٦.
(٢) البيت في ابن يعيش ٧/ ١٠٨، الكتاب ١/ ٢٩٩، والنوادر لأبي زيد ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>