للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشّرّ، ويحسن في هذا دخول لا زائدة، فيقول: أمّا أن لا يكون وأنت تريد ما يكون؛ لأن الفعل إذا قصد به كون شيء، فقد قصد به نفي ضده. ألا تراك لو قلت: فعلت هذا الأمر لغضبك، تريد: فعلته من أجل ما أخشاه من غضبك، أو لأن يقع غضبك، كان كلاما صحيحا.

فإذا قلت فعلت هذا لأن لا تغضب، لم يخرج عن هذا المعنى، وفي القرآن: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا (١)، لأن التقدير: يبين الله لكم الضلال المتوهّم منكم لو لم يبيّن، وهذا الوجه أحبّ إليّ من قول من قال: كراهة أن تضلّوا، وكذلك قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ (٢) إن لم تجعل (لا) زائدة لم تكن الضرورة داعية إلى زيادتها، لأنّ قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ (٣)، أي: يفعل بكم هذه الأشياء ليبين جهل أهل الكتاب، وأنهم لا يعلمون أنّ ما يؤتيكم الله من فضله في ذلك لا يقدرون على تغييره وإزالته عنكم؛ فعلى هذا لا يحتاج إلى زيادة (لا).

[هذا باب ما ينتصب من الأسماء التي ليست بصفة ولا مصادر لأنه حال يقع فيه الأمر فينتصب لأنه مفعول فيه]

(وذلك قولك: كلمته فاه إلى فيّ، وبايعته يدا بيد، كأنه قال: بايعته نقدا، وكلمته مشافهة، أي في هذه الحال).

قال أبو سعيد: اختلف الناس في ما نصب فاه، فأصحابنا يقولون: إن الناصب:

كلمته، وإنه لا إضمار فيه، وجعلوه نائبا عن: مشافهة التي معناها: مشافها، وجعلوه من الشاذ المحمول على غيره، لأنه معرفة، وأنه اسم غير صفة، فصار بمنزلة قولك: الجمّاء الغفير، ورجع عوده على بدئه. وقد ذكرنا شرح ذلك.

والكوفيون ينصبون: فاه بإضمار: جاعلا.


(١) سورة النساء، الآية: ١٧٦.
(٢) سورة الحديد، الآية: ٢٩.
(٣) سورة الحديد، الآيتان: ٢٨، ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>