للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعطاك إيّاي، وهذا ترتيب سيبويه وحكايته عن العرب، وحكى عن النحويين قياسا لم يرتضه.

وأبو العباس المبرّد يذهب إلى قول النحويين وقياسهم، ويجعل إضمار الغائب والمتكلم والمخاطب في التقديم والتأخير سواء، ويجيز: أعطاهوك وأعطاهوني وأعطاكني، ويستجيده، ويراد صحيحا، ويستحسن منحتنيني ويستجيده، وقد تقدم في شرحنا ذكر ترتيب المتكلم، ثم المخاطب، ثم الغائب بما أغنى عن ذكره هاهنا.

وقد رأيت غير سيبويه يخيّر بين المتصل والمنفصل، ويجيزهما في: أعطيتكه وأعطيتك إيّاه؛ لأن المفعول الثاني ليس يلاقي الفعل ولا يلتزق به، والأول إمّا أن يلقى ذات الفعل أو يلقى ضمير الفاعل المجعول معه كشيء واحد، وإيجاب سيبويه أعطاه إيّاك، وتصحيحه له يقوّى ذلك؛ لأن تعلق المفعولين بالفعل من باب واحد، واختلاف المفعولين في ترتيبهما ليس يغيّر حكم تعلقهما بالفعل، وعمل الفعل فيهما.

ولقائل أن تقول: ما الذي أنكر سيبويه من (منحتنيني)، وليس فيه تقديم بعيد على قريب؟ وهل سبيل (منحتنيني) إلا سبيل (أعطاهوها) وهو مستحسن عنده؟

قيل له: المنكر من (منحتنيني) عند سيبويه أن: (ني) الثانية مؤخرّة وترتيبه التقديم على كل ضمير، وليس كذلك أعطاهوها.

واعلم أنّ: حسبت مع الفاعل منزلته منزلة كان بغير فاعل؛ لأن كان وحدها تدخل على المبتدإ والخبر فيرتفع بها المبتدأ وينتصب بها الخبر، وحسبت مع فاعل المحسبة تدخل على المبتدإ والخبر فتنصبهما؛ لأنه دخل عليهما فعل وفاعل، فانتصبا على أنهما مفعولا حسبت، ولما كان المفعول الثاني من حسبت زيدا منطلقا بمنزلة خبر كان في قولك: كان زيد منطلقا، وكان الاختيار في إضمار خبر كان أن يكون منفصلا على ما تقدم من ذكره، وجب أن يكون المفعول الثاني من حسبت كذلك؛ ولأن ذلك خبره يقع موقعه الفعل والجملة والظرف غير المتمكن، كما أن خبر كان كذلك، تقول: حسبتك إيّاه وحسبتني إيّاه، كما تقول: كنت إيّاه، وحسبتنيه وتحسبنيه قليل، كما أن كنته وكنتني وعمرو كانه زيد قليل، وباقي الباب مفهوم بإذن الله.

هذا باب لا يجوز فيه علامة المضمر المخاطب ولا علامة المضمر المتكلم، ولا علامة المضمر المحدّث عنه الغائب

قال سيبويه: " وذلك أنه لا يجوز لك أن تقول للمخاطب: اضربك، ولا اقتلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>