للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: كذا سمعناهما من الشاعرين اللذين قالاهما.

قال: واعلم أنه ليس كل موضع يجوز فيه التعظيم، ولا كل صفة يحسن أن يعظّم بها، لو قلت: مررت بعبد الله أخيك صاحب الثياب أو البّزاز، لم يكن هذا مما يعظم به الرجل عند الناس، ولا يفخم له، ولها الموضع الذي لا يجوز فيه العظيم، فإن تذكر رجلا ليس بنبيه عند الناس ولا معروف بالتعظيم، ثم تعظمه كما تعظم النبيه، وذلك قولك: مررت بعبد الله الصالح، فإن قلت: مررت بقومك الكرام الصالحين ثم قلت: المطعمين في المحل، جاز لأنه إذا وصفهم صاروا بمنزلة من قد عرف منهم ذلك، وجاز له أن يجعلهم كأنهم قد علموا فاستحسن من ذا ما استحسنت العرب، وأجزه كما أجازته، وليس كل شيء من الكلام يكون تعظيما لله عز وجل يكون لغيره من المخلوقين لو قلت: الحمد لزيد، تريد العظمة لم يجز وقد يجوز أن تقول: مررت بقومك الكرام، إذا جعلت المخاطب كأنه قد

عرفهم، كما قال: مررت برجل زيد، فتنزله منزلة من قال له: من هو وإن لم يتكلم به.

فكذلك هذا تنزله هذه المنزلة وإن كان لم تعرفهم).

قال أبو سعيد: يحتاج التعظيم إلى اجتماع معنيين في المعظّم:

أحدهما: أن يكون المعنى الذي عظّم به فيه مدح وثناء ورفعة.

والآخر: أن يكون المعظّم قد عرفه المخاطب وشهر عنده ما عظّم به أو يتقدم من كلام المتكلم ما يتقرر به عند المخاطب حال مدح وثناء وتشريف في المذكور يصح أن يورد بعدها التعظيم، وهذا معنى ما ذكره سيبويه: (مررت بقومك الكرام، ثم قلت:

المطعمين في المحل)، وتقول: مررت بعبد الله الكريم الفاضل، على التعظيم لمّا قدمت ذكر الكريم صار كأنه قد عرف وشهر، فتدبر ذلك إن شاء الله تعالى.

[هذا باب ما يجري من الشتم مجرى التعظيم وما أشبهه]

(وذلك: أتاني زيد الفاسق الخبيث، لم يرد أن يكرره، ولا يعرفك شيئا تنكره، ولكنه شتمه بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>