[هذا باب علامة إضمار المنصوب المتكلم، والمجرور المتكلم]
قال سيبويه:" اعلم أن علامة المنصوب المتكلم (ني)، وعلامة المجرور المتكلم الياء. ألا ترى أنك تقول إذا أضمرت نفسك وأنت منصوب: " ضربني، وقتلني، وإنني، ولعلني ".
وتقول إذا أضمرت نفسك مجرورا: " غلامي، وعندي، ومعي ".
فإن قلت: ما بال العرب قد قالت: (إني، وكأني ولعلي، ولكني) فإنه زعم أن هذه الحروف اجتمع فيها أنّها كثيرة في كلامهم، وأنّهم يستثقلون في كلامهم التّضعيف، فلمّا كثر استعمالهم إياها مع تضعيف الحروف حذفوا التي تلي الياء.
فإن قلت: لعلّي ليست فيها نون، فإنه زعم أن اللام قريب من النون، وهو أقرب الحروف من النون. ألا ترى أنّ النّون تدغم مع اللام حتى تبدل مكانها لام؛ وذلك لقربها منها، فحذفوا هذه النون كما يحذفون ما يكثر استعمالهم إياه.
وسألته عن " الضّاربي " فقال: هذا اسم، ويدخله الجر، وإنما قالوا في الفعل:
ضربني كراهية أن يدخلوا الكسر في هذه الباء، كما يدخل الأسماء، فمنعوه هذا أن يدخله كما منع الجرّ.
فإن قلت فقد تقول: اضرب الرجل فتكسر، فإنّك لم تكسرها كسرا يكون للأسماء، إنّما يكون هذا لالتقاء الساكنين، وقد قالت الشعراء: " ليتى " إذا اضطرّوا، كأنهم شبّهوه بالاسم حيث قالوا: " الضاربي " والمضمر منصوب.
قال زيد الخيل:
كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه ويذهب بعض مالي (١)
وسألته عن قولهم:(عني، وقطني، ومني، ولدني) فقلت: ما بالهم جعلوا علامة المجرور هاهنا كعلامة المنصوب؟
فقال: إنه ليس من حرف تلحقه ياء الإضافة إلا كان متحرّكا مكسورا، ولم يريدوا أن يحرّكوا الطّاء التي في قط، ولا النون التي في من، فلم يكن بدّ من أن يجيئوا
(١) البيت في ديوانه ٨٧؛ الخزانة ٥/ ٣٧٥؛ ابن يعيش ٣/ ٩٠، ١٢٣؛ الكتاب ٢/ ٣٧٠؛ المقتضب ١/ ٢٥٠.