وقد جرى التوكيد والاختصاص بالنفس مجرى صفاتى التّحلية في اشتراك الصفة والموصوف في الإعراب والتّعريف، وفي شرط الصفات أن لا تكون الصّفة أعرف من الموصوف، فلما كان المضمر أعرف من الظاهر لم يجعل توكيدا للظّاهر؛ لأن التوكيد كالصّفة.
ومما يمنع من توكيد الظاهر المضمر أنّا لو فعلنا ذلك لم يكن توكيده إلا بالمضمر الغائب، وسقط منه ضمير المتكلّم والمخاطب؛ لأنّا إذا قلنا: لقيت زيدا، أو مررت بزيد، أو جاءني زيد، فأكّدناه، لم يكن في شيء من ذلك إلا أن تقول هو، فيسقط المتكلم والمخاطب، وهما الأكثر والأصل في الضّمير، واستعمال ما يوجب إسقاط أصله وأكثره مطّرح متروك.
وأما البدل فإنه يجوز أن تبدل المضمر من المضمر، والمضمر من المظهر، والظاهر من المضمر.
فأمّا المنصوب فقولك: رأيتك إياك، تجعل إيّاك بدلا من الكاف، كأنك قلت:
إيّاك رأيت، ولم تذكر الكاف، وقدّرناه، بتقديم إياك، أو ما رأيت إلا إياك.
وأما المرفوع فإنك تقولك قمت أنت، والمجرور: مررت بك بك، وتعيد حرف الجرّ لأنّ الكاف لا تنفرد، وإن أبدلت مضمرا من ظاهر قلت في المجرور: مررت بزيد به بإعادة حرف الجر.
والفرق بين جواز بدل المكنيّ من المضمر ومن الظّاهر وبطلان التوكيد والصفة بالمكنيّ من الظاهر أنّ الصّفة تطلب المشاكلة بينها وبين الموصوف في التعريف أو التنكير، والبدل ليس يطلب ذلك إذ جاز بدل النكرة من
المعرفة، والمعرفة من النّكرة، وقد ذكرت في غير هذا الباب أنّ النكرة لا تؤكّد بما أغنى عن إعادته، وباقي كلامه مفهوم.
[هذا باب من البدل أيضا]
قال سيبويه: (وذلك قولك: رأيته إيّاه نفسه، وضربته إياه قائما.
وليس هذا بمنزلة قولك: أظنّه هو خيرا منك، من قبل أنّ هذا موضع فصل، والمضمر والمظهر في الفصل سواء. ألا ترى أنّك تقول: رأيت زيدا هو خيرا منك،