للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم، ويبقى جوابه له؛ كقولك: لئن أتيتني لآتينك، ولئن زرتني لا أترك زيارتك؛ لأن لفظ جواب القسم قد دل على القسم المحذوف، فإذا تقدّم القسم شيء ثم أتى بعده المجازاة، اعتمدت المجازاة على ذلك الشيء، وألغي القسم، كقولك: إنا والله إن تأتني لا آتك، اعتمد إن تأتني لا آتك على (أنا) كأنه ليس بعده القسم، ألا ترى أنك تقول: زيد والله منطلق، ولو قلت: والله لزيد منطلق لزمته اللام، ومثله (إذا) إذا تقدّمت على القسم عملت، واعتمد الفعل عليها، كقولك: إذا والله أكرمك، وإذا والله لأكرمك، وإن تقدّم اليمين اعتمد الفعل عليها كقولك: والله إذا لأكرمنّك، وو الله إذا لأكرمك، وأما بيت الفرزدق قوله:

وأنتم لهذا الناس كالقبلة التي ... بها أن يضلّ الناس يهدي ضلالها (١)

فتقديره: التي بها يهدى الضال عنها، والهاء في ضلالها ترجع إليها، وأن يضل الناس هو السبب الذي جعل الهدى من أجله، وقد مضى الكلام في نحوه، وباقي الباب مفهوم.

[هذا باب ما يرتفع بين الجزمين وينجزم بينهما]

فأما ما يرتفع بينهما فقولك: إن تأتني تسألني أعطك وإن تأتني تمشي أمش معك، وذلك لأنك أردت أن تقول: إن تأتني سائلا يكن ذلك، وإن تأتني ماشيا فعلت، وقال زهير:

ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه ... ولا يغنها يوما من الذمّ يذمم (٢)

إنما أراد: من لا يزل مستحملا يكن من أمره كذا وكذا، ولو رفع يغنها جاز وكان حسنا، كأنه قال: من لا يزل لا يغني نفسه ومما جاء أيضا مرتفعا قول الحطيئة:

متى تأته تغشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد (٣)

وسألت الخليل عن قوله:

متى تأتنا المم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (٤)

قال: تلمم بدل من الفعل الأول، ونظيره من الأسماء:

مررت برجل عبد الله، فأراد أن يفسّر الإتيان بالإلمام، كما فسّر الاسم الأول


(١) البيت سبق تخريجه.
(٢) البيت في ديوانه ٣٢، الكتاب ٣/ ٨٥؛ المقتضب ٢/ ٦٥.
(٣) البيت منسوب للأعشى في ديوانه ٥١، ابن يعيش ٢/ ٦٦؛ الكتاب ٣/ ٨٦.
(٤) البيت منسوب للحطيئة، ابن يعيش ٧/ ٥٣؛ الكتاب ٣/ ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>