هذا موضوع كتابه الذي نقله عنه أصحابه، ويسأل في ذلك عن أشياء:
فأولها: أن يقال: إلام أشار سيبويه بقوله: " هذا ". والإشارة بها تقع إلى حاضر؟
فالجواب عن ذلك أنه يحتمل ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون أشار إلى ما في نفسه من العلم، وذلك حاضر، كما يقول القائل:" قد نفعنا علمك هذا الذي تبثه، وكلامك هذا الذي تتكلم به ". والثاني: أن يكون أشار إلى متوقّع قد عرف وانتظر وقوعه في أقرب الأوقات إليه. فجعله كالكائن الحاضر تقريبا لأمره، كقوله:" هذا الشتاء مقبل ". و " هذا الخليفة قادم "، ومثله قول الله عز وجل: هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (١).
والثالث: أن يكون وضع كلمة الإشارة غير مشير بها؛ ليشير بها عند الحاجة.
والفراغ من المشار إليه. كقولك:" هذا ما شهد عليه الشهود المسمّون في هذا الكتاب " وإنما وضع ليشهدوا وما شهدوا بعد.
وأما " علم " فمصدر، إما أن يكون مصدر أن تعلم أو أن يعلم، لأن المصادر العاملة عمل الأفعال تقدر بأن الخفيفة والفعل بعدها.
فإذا قدّر " علم " بأن تعلم، كان الكلام على " ما " من ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون استفهاما، فإذا كانت كذلك كان لفظها رفعا، لو تبين الإعراب فيه، ويكون ارتفاعه بالابتداء، ويكون " الكلم " خبره، أو يكون " الكلم " الابتداء، و " ما " خبر مقدمة، ويكون موضع الجملة التي هي ابتداء وخبر نصبا، ويكشف هذا المعنى لك أنك لو جعلت مكانها " أيّا " لقلت " هذا باب علم أي شيء الكلم من العربية، فترفع " أيّ " ويكون موضعها مع الكلم نصبا، لأنك أردت: هذا باب أن تعلم.
فإذا لم تكن استفهاما قلت: هذا باب علم مسألتك، وتبين الإعراب فيه؛ لأنه ليس باستفهام يمتنع عمل ما قبله فيه، وإنما لم يعلم ما قبل " أيّ " و " ما " والأسماء التي يستفهم بها فيها، من قبل أن هذه الأسماء المستفهم بها نائبة عن ألف الاستفهام، متضمنة لمعناها،