للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس بجائز أن يعمل ما قبل ألف الاستفهام فيما بعده؛ لأن حرف الاستفهام يقع صدر الكلام، كما تقع " ما " النافية، و " إنّ " المؤكدة، والحروف الداخلة على الجمل لها صدور الكلام.

والوجه الثاني من وجوه " ما " أن تكون بمعنى " الذي " ويكون صلتها هو " الكلم " و " هو " محذوفة، وحذفها جائز، كأنك قلت: هذا باب علم الذي هو الكلم " من العربية "، والدليل على جواز حذفها قول الله تعالى في قراءة بعضهم ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ (١) يريد الذي هو أحسن. وكما قرأ بعضهم: أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها (٢) أراد ما هو بعوضة وكما قرأ بعضهم: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٣) أراد أيهم هو. بمعنى: الذي هو. وحكى " الخليل " (٤): " ما أنا بالذي قائل لك شيئا " أراد: بالذي هو قائل لك شيئا.

والوجه الثالث: أن تكون " ما " صلة، ويكون دخولها كخروجها في تغيير إعراب غيرها، إلا أنها تؤكد المعنى الذي تدخل فيه، فيكون اللفظ: هذا باب علم، ما الكلم من العربية.

وإذا كان " علم " مصدر " أن يعلم " كان الكلام فيه كالكلام في " أن تعلم " إلا في موضعين:

أحدهما: موضع " ما " إذا جعلناه منصوبا هناك جعلناه مرفوعا هاهنا.

والوجه الثاني: إذا جعلنا " ما " صلة هناك، فنصبنا الكلم رفعناه هاهنا.

ويجوز إضافة " علم " وترك التنوين منها، و " ما " محتملة لوجوهها الثلاثة، فإذا كانت استفهاما، كان لفظها رفعا على ما قلنا آنفا وموضعها بما بعدها خفضا، وإذا كانت بمعنى " الذي " كانت مخفوضة بالإضافة، وصلتها على ما وصفنا، وإذا كانت صلة كان " الكلم " خفضا، ولفظه: هذا باب علم ما الكلم من العربية.


(١) سورة الأنعام، آية ١٥٤.
(٢) سورة البقرة، آية ٢٦.
(٣) سورة مريم، آية ٦٩.
(٤) الخليل بن أحمد، أبو عبد الرحمن البصري، أخذ عنه سيبويه وهو واضع علم العروض. توفي سنة ١٦٠ هـ، وقيل: ١٧٠ هـ. نزهة الألباء: ٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>