للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحروف قد يتعلق عليها أخبار كثيرة مختلفة المعاني، فإذا حذفت لم يدر أيّها يراد. ألا ترى أنك إذا قلت: زيد بك، احتمل وجوها كثيرة نحو: زيد بك يستعين، وزيد بك يتحمّل، وزيد بك مأخوذ، وما أشبه ذلك، وكذلك: زيد فيك؛ جاز أن تعني: راغب وزاهد.

وكذلك إذا قلت: زيد عليك، جاز أن يكون عليك يعتمد وعليك ينزل، وعليك يثني، ونحو ذلك فإذا قلت: زيد بك وأنت تريد (مأخوذ) أو زيد عليك وأنت تريد (نازل)، ثم حذفت مأخوذا ونازلا بطل الكلام، لأنهما خبران لا بدّ منهما، وإنما جاز أن تقول: زيد في الدار أو في السوق أو ما أشبه ذلك من الأماكن؛ لأن هذه الأشياء محالّ لزيد، وأن القصد فيها أنه قد استقرّ فيها أو حلّها، ولا يذهب الوهم في قولك: زيد في الدار أو في السوق، أنه يرغب في الدار أو يزهد فيها لما قد عرف بالعادة من أن القصد إلى حلوله فيها. فصار قولك: (في الدار) خبرا يتم الكلام به، وإذا تم الكلام بظرف وصار خبرا، جاز نصب ما بعده من الصفات على الحال؛ ولهذا جاز نصب: عليك أميرا زيد، ولا يجوز: عليك نازلا زيد. وقوله في آخر الباب: " وهذا قليل في الكلام كثير في الشعر " يريد تقديم الحال على الاسم

الذي منه الحال إذا كان العامل ظرفا ليس بكثير في الكلام، والكثير أن يكون الحال بعد الظرف والاسم جميعا، ألا ترى أنك لا تكاد تجد في كلام العرب: إنّ في الدار قائما زيدا، وإن زيدا في الدار قائما. والذي وجد في القرآن قد تقدمت فيه الأسماء على الأحوال، كقوله عز وجل: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ (١) وإِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فاكِهِينَ (٢) والله أعلم.

هذا باب ما يثنّى فيه المستقر توكيدا وليست تثنيته بالتي تمنع الرفع حاله قبل التثنية ولا النصب ما كان عليه قبل أن يثنّى

" وذلك قولك: فيها زيد قائما فيها. فإنما انتصب قائم باستغناء زيد ب (فيها) الأول. وإن زعمت أنّه ينتصب بالآخر فكأنك قلت: زيد قائما فيها، فإن هذا كقولك:

قد ثبت زيد أميرا قد ثبت، فأعدت قد ثبت توكيدا، وقد عمل الأوّل في زيد وفي


(١) سورة الذاريات، الآية: ١٥، ١٦.
(٢) سورة الطور، الآية: ١٧، ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>