للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني أنك تقول: عليك زيدا فيكون بمنزلة خذ زيدا ثم تقول: عليّ زيدا فيكون بمنزلة: أولني زيدا كما تقول: أعطني زيدا ودونك زيدا ولا تقول: دوني زيدا، كما لا تقول: خذني زيدا، فإنما ننتهي في ذلك حيث انتهت العرب.

قال: (واعلم أنه يقبح أن تقول: زيدا عليك، وزيدا حذرك، وإنّما قبح لأن هذه الحروف ليست بأفعال وإنما وضعت موضع الأفعال ولا تصرّف لها؛ فلم تعمل عمل الفعل في جميع الأحوال، ولم تقو قوّته).

فإذا رأيت في شعر " زيدا عليك " فإنما تنصب " زيدا " بفعل وتكون " عليك " مفسّرة له كما قال:

يا أيّها المائح دلوي دونكا ... إنّي رأيت الناس يحمدونكا (١)

فدلوي في موضع نصب بإضمار فعل؛ كأنه قال: خذ دلوي دونك، وكذلك قوله عز وجل: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ (٢).

ينتصب كتاب بما قبله لا بعليكم؛ كأنه لما قال تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ (٣).

فقد دلّ أنّه كتب التحريم عليكم كتابا فنصب الكتاب بالمصدر، لا بعليكم، وكان الكسائي ينصب كتاب الله بعليكم، ويحتج بالبيتين اللذين أنشدنا، والفراء يخالفه ويقول نحو ما ذكرناه في البيتين.

[هذا باب ما جرى من الأمر والنهي على إضمار الفعل المستعمل إظهاره إذا علمت أن الرجل مستغن عن لفظك بالفعل]

(وذلك قولك: زيدا وعمرا ورأسه، وذاك أنّك رأيت رجلا يضرب أن يشتم أو


(١) ينسبان لراجز جاهليّ من أسيد بن عمرو بن تميم، وقيل لجارية من بني مازن، وزعم ابن الشجريّ أنهما لرؤبة: شرح المفصل ١: ١١٧؛ مغني اللبيب ٦: ٣٤٣، ٣٨٠؛ اللسان وتاج العروس (ميح).
(٢) سورة النساء، الآية ٢٤.
(٣) سورة النساء، الآية ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>