للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقتل فاكتفيت بما هو فيه من عمله).

اعلم أنّ الإضمار على ثلاثة أوجه:

- وجه يجب فيه الإضمار ولا يحسن فيه الإظهار.

- ووجه لا يجوز أن تضمر العامل فيه.

- ووجه أنت مخيّر بين إضماره وإظهاره.

فأما ما لا يجوز فيه الإضمار لعامل فأن تقول مبتدئا: زيدا، من غير سبب نحويّ ولا حال حاضرة دالة على معنى، وأنت تريد: اضرب زيدا، وغيره من الأفعال لأنك إذا أضمرته لم يعلم أنّه " أكرم زيدا " أو اشتم زيدا أو غير ذلك.

وأما ما يجوز إظهاره وإضماره فأن ترى رجلا يضرب أو يشتم فتقول: زيدا، تريد اضرب زيدا، ويجوز إظهاره فتقول: اضرب زيدا، ومثل ذلك أيضا في الخبر أن تلقى رجلا قادما من سفر فتقول: خير مقدم أي: قدمت خير مقدم، ولو أظهرته لم يكن بأس، وكذلك إذا قلت لرجل في طريق: الطريق يا هذا، معناه: خلّ الطريق وعن الطريق، ويجوز إظهاره، قال جرير:

خلّ الطريق لمن يبني المنار به ... وابرز ببرزة حيث اضطرك القدر (١)

ولا يجوز أن تضمر في شيء من هذا الباب الجارّ؛ فإذا قلت: الطريق لم يجز أن يكون الضمير تنحّ عن الطريق؛ لأن الجارّ لا يضمر، وذلك أن المجرور داخل في الجار غير منفصل.

والوجه الثالث:

قوله: إياك وأن تقرب الأسد، معناه: إيّاك اتق، وإياك احذر، ولا يحسن إظهار ما نصب إياك، ثم استشهد سيبويه على جواز الحذف الذي عقد به الباب: (تقول العرب في مثل من أمثالهم: " اللهمّ ضبعا وذئبا " إذا كان يدعو بذلك على غنم رجل، فإذا سألهم ما يعنون قالوا: اللهم اجمع فيها ضبعا وذئبا، كلّهم يفسر ما ينوي).

قال أبو العباس: سمعت أن هذا دعاء له لا دعاء عليه؛ لأن الضبع والذئب إذا اجتمعا تقاتلا فأفلتت الغنم.


(١) ديوان جرير ٢١١؛ شرح المفصل ٢: ٣٠؛ تاج العروس (برز).

<<  <  ج: ص:  >  >>