قال سيبويه: (ومثل هذا في البناء على الفعل، وبناء الفعل عليه " أيهم " وذلك قولك: " أيهم تره يأتك " و " أيهم تر يأتك " والنصب على ما ذكرت لك؛ لأنه كأنه قال:
أيهم تر تره يأتك، فقولهم: " أيهم تره يأتك " مثل " زيد " في هذا، وقد يفارقه في أشياء كثيرة، ستبين إن شاء الله تعالى).
قال أبو سعيد: يعني: أنك إذا قلت: " أيهم تر يأتك "، نصبت " أيهم " ب " تر "، كما تقول: " زيدا ضربت " وإذا قلت: " أيهم
تره يأتك "، فشغلت الفعل بضميره، كان الاختيار الرفع، كما كان في قولك: " زيد ضربته " ويجوز فيه النصب بإضمار فعل، كأنك قلت:
" أيهم تر تره يأتك "، تقدر الفعل بعده؛ لأن " أيا " في الاستفهام والمجازاة لا تقع إلا صدرا.
ف " أي " في باب النصب والرفع واختيار أحدهما على الآخر بمنزلة " زيد ".
وهو يفارق " زيدا " في أشياء لأنها تكون استفهاما، وتكون مجازاة، وتكون بمعنى الذي، وليس في " زيد " شيء من ذلك.
[هذا باب ما يجري مما يكون ظرفا هذا المجرى]
وذلك قولك: (" يوم الجمعة ألقاك فيه "، وأقلّ يوم لا ألقاك فيه و " أقل يوم لا أصوم فيه "، و " خطيئة يوم لا أصيد فيه "، و " مكانك قمت فيه "، وصارت هذه الأحرف ترتفع بالابتداء كارتفاع " عبد الله "، وصار ما بعدها مبنيا عليها كبناء الفعل على الاسم الأول).
قال أبو سعيد: اعلم أن الظروف على ضربين:
ضرب يكون اسما وظرفا وهو الظرف المتمكن.
وضرب لا يكون اسما وهو الظرف الذي لا يتمكن.
فأما الضرب الذي يكون اسما وظرفا، فهو ما يكون مرفوعا في حال ومجرورا في حال ومنصوبا في حال على غير معنى الظرف، وهذا هو تمكنه، وكونه اسما؛ لأنه يصير بمنزلة " زيد، وعمرو "، وهو نحو " اليوم، والليلة، والشهر، والمكان " وما أشبه ذلك.
فأما الظرف الذي لا يتمكن، فهو ما يمتنع من الرفع ولا يكون فاعلا، ولا مبتدأ، كقولك: " عندك، وقبلك، وبعدك "، ألا ترى أنك لا تقول: " عندك واسع "، ولا " قبلك يوم الجمعة "، كما تقول: " وكأنك واسع "، ولاستقصاء الفصل بين الظروف المتمكنة وغير المتمكنة موضع غير هذا.