للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها ... حتّى أتيت أبا عمرو عمّار (١)

قال أبو سعيد: اعلم أن اللفظ يدلّ به على التكثير، فهو تشديد عن الفعل في الفعل، وإن كان قد يقع التشديد لغير التكثير، كقولنا: حرّكته، ولا تريد كثيرا. فما يدل على التكثير أنك تقول: أغلقت الباب الواحد، ولا تقول: (غلّقته، وتقول: غلّقت الأبواب، وتقول: ذبحت الشاة، ولا تقول: ذبّحتها، وتقول: ذبّحت الغنم.

وأما سائر الأفعال فليس فيها دليل على أحدهما، وقد يقع للقليل والكثير، فمن أجل ذلك يجوز أن تستعملها للكثير، فتريد بها ما تريد بالمشدّد، ومن أجل ذلك صار أغلق أبوابا بمعنى أغلّق أبوابا، وقوله: وأفتحها بمعنى أفتّحها.

وقد أعاد سيبويه هذا البيت بعينه في الباب الذي يلي هذا شاهدا في أن أفتحها في معنى أفتّحها، وفي هذا الموضع أغلق في معنى أغلّق.

وقد استعملوا أنزل ونزل في معنى واحد، وقد يستعمل نزل في معنى الكثير.

فأما أنزل ونزل بمعنى واحد غير التكثير فقوله عز وجل: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ (٢)، وقال عز وجل: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً (٣)، فهذا لغير التكثير؛ لأن آية واحدة لا يقع فيها تكثير الإنزال.

وكان أبو عمرو يختار التخفيف في كل موضع ليس فيه دلالة من الخط على التثقيل إلا في موضعين: أحدهما قوله عز وجل: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٤) اختار التثقيل في هذا؛ لأنه تنزيل بعد تنزيل، فصار من باب التكثير.

والموضع الآخر: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً فاختار التثقيل في ينزل حتى يشاكل نزل؛ لأن المعنى واحد. فالأول للتكثير، وهذا للمطابقة، وليس فيها تكثير.

وقد يجوز أن يكون بيّن في معنى أبان، ويجوز أن يكون للتكثير.

هذا باب دخول فعّلت على فعلت لا يشركه في ذلك أفعلت

قال سيبويه: " تقول: كسرتها وقطعتها، فإذا أردت كثرة العمل قلت: كسّرتها


(١) انظر المخصص: ١/ ١٠٧.
(٢) سورة محمد، الآية: ٢٠.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ٣٧.
(٤) سورة الحجر، الآية: ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>