للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجه الثاني: أن تجعل " أنّ " مبتدأة وخبرها محذوف وتقديرها: فله أن له نار جهنم. ولو قال: (من يعصى الله فالنار) كان كلاما مفهوما جائزا وتقديره: فله النار.

والوجه الثالث: فيستحق أن له النار وما أشبه ذلك من إضمار ما يليق به.

وما ذكر في القرآن في آخر الباب قد اجتمعت فيه النسخ على ما كتبته. والذي في القرآن لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (١)، ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٢).

هذا باب من أبواب «أنّ» تكون فيه «أنّ» مبنية على ما قبلها

وذلك قولك: أحقا أنك ذاهب؟ وكذلك: أكبر ظنك أنك ذاهب؟ وأجهد رأيك أنك ذاهب؟ وكذلك هما في الخبر.

وقد سألت الخليل فقلت: ما منعهم أن يقولوا: أحقا إنك ذاهب على القلب كأنك قلت: أنك ذاهب. ألحق؟ فقال: لأن " أن " لا يبتدأ بها في كل موضع، ولو جاز هذا لجاز: يوم الجمعة إنك ذاهب تريد: إنك ذاهب يوم الجمعة.

ولقلت أيضا: لا محالة إنك ذاهبة تريد: إنك لا محالة ذاهب فلما لم يجز ذلك حملوه على " أفي حق أنك ذاهب؟ وعلى: أفي أكبر ظنك أنك ذاهب؟ وصارت " أنّ " مبنية عليه كما يبني الرحيل على غد إذا قلت: غدا الرحيل. والدليل على ذلك: إنشاد العرب كما زعم يونس أنه سمع العرب يقولون في بيت الأسود بن يعفر:

أحقّا بني أبناء سلمى بن جندل ... تهدّدكم إيّاي وسط المجالس (٣)

وزعم الخليل أن التهدد هاهنا بمنزلة: " الرحيل " بعد " غد ". وأن " أن " بمنزلته وموضعه كموضعه.

ونظير: أحقا أنك ذاهب. من أشعار العرب قول العبدي (٤):


(١) سورة هود، الآية: ٢٢.
(٢) سورة النحل، الآية: ١١٠.
(٣) الخزانة: ١/ ١٩٣، الشعر والشعراء: ١/ ٢٥٦، الأغاني: ١١/ ١٣٢، ٢٦٨.
(٤) هو المفضل النكري والعبدي نسبة إلى عبد قيس والنكري نسبة إلى (نكره). جمهرة أنساب العرب

<<  <  ج: ص:  >  >>