يقال: عولة لك، إلّا أن يكون قبلها ويلة لك، ولا تقول: عول لك حتى تقول: عول، لأنّ ذا يتبع ذا، كما أنّ ينوءك يتبع يسوءك ولا يكون ينوءك مبتدأ.
واعلم أنّ بعض العرب تقول: ويلا لك، وويلة لك، وعولة تجريه مجرى خيبة، من ذلك قول جرير:
كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها ... فويلا لتيم من سرابيلها الخضر (١)
ويقول الرجل: يا ويلاه؛ فيقول الآخر: نعم ويلا كيلا، كأنه يقول: لك الذي دعوت به ويلا كيلا، وهذا شبيه بقولهم:
ويل له ويلا كيلا، وربّما قالوا: ويل كيل).
يعني أن الذي قال: نعم ويلا كيلا يضمر مبتدأ وخبرا، ويجعل ويلا كيلا في موضع الحال؛ لأنه لو أظهر وقال: لك الويل ويلا كيلا كان " الويل " مبتدأ و " لك " خبر، وويلا كيلا في معنى كثيرا، ثم جعل نعم دليلا على الإضمار، لأن نعم تحقيق لكلام يتكلم به، وذلك الكلام الذي تحقيقه نعم هو قولهم: لك الويل وما أشبهه.
وقوله: (وإن شاء جعله على قوله: جدعا وعقرا).
أي: إن شاء نصب ويلا كيلا بإضمار فعل فجعله كأنه مصدر له، لأن " جدعا وعقرا " على معنى: جدعك الله جدعا، وعقرك عقرا، فهو بإضمار فعل، وتجعل ويلا كذلك بإضمار فعل.
[هذا باب منه استكرهه النحويون، وهو قبيح فوضعوا الكلام فيه على غير ما وضعته العرب]
(وذلك قولك: ويح لك وتبّ، وتبّا وويحا).
أما قوله: استكرهه النحويون يعني أنهم جمعوا في الدّعاء بين شيئين لا تجمع العرب بينهما، وقاسوا كلام العرب، والشيئان:
أحدهما: ويل وويح لك وما جرى مجراه مما ترفعه العرب في الأكثر من كلامهم.
والآخر: تبّا لك وويل، إذا أفردوه رفعوه وأتوا له بخبر وهو اللام، فإذا جمعوا بينهما فقدّموا الذي يستحقّ الرفع وثنّوا بالذي يستحقّ النّصب حملا على المرفوع فيقولون: ويل لك وتبّ.
(١) البيت لجرير: ديوانه: ١٥٩؛ شواهد القرطبي ٣: ٤٨؛ شرح المفصل ١: ١٢١.