للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ (١). والامتحان والبلوى فيما يتعارفه النّاس إنما هو في معنى: التجربة، وهو من الله عزّ وجلّ على وجه الأمر لهم أو إيراد بعض أفعاله عليهم مما يظهر للناس ثبات المفعول به والصبر على طاعة الله تعالى أو خلاف ذلك.

وكذلك ما جاء في القرآن من " لعلّ " قد جعل بمعنى " كي "، كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢).

ونظائر ذلك مما أتى فيه لعلّ بعد أمر أمر به إنما هو على معنى " كي يكون ذلك "؛ أي:

أمرناكم بهذا الأمر ليكون ذلك؛ فالشيء الذي جعل الأمر سببا له يجوز ألّا يكون، ولا يخرج الأمر أن يكون وقع مقصودا به لذلك المعنى؛ ألا ترى أنّ القائل قد يقول: مدحت الأمير ليعطيني، وكي يعطيني ولعله يعطيني، وإن لم يعطه فالقصد لم يتغيّر أن يكون واقعا لذلك المعنى.

وكذلك ما في القرآن مما يتعارفه الناس في كلامهم دعاء إذا وقع من الله عزّ وجلّ فهو من طريق اللفظ على ما قد تعارفه الناس، وهو من الله عزّ وجلّ واجب، لأن القائل إذا قال: قاتلك الله، ولعنك الله، فإنما يريد أن يوقع الله ذلك بالذي دعا عليه، فإذا قاله الله عزّ وجل فهو على طريق أنه يوقعه، وكذلك القول في قوله عزّ وجلّ: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣). ووَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (٤). لأن القائل من الناس يذكره على جهة الدعاء عليهم، والله عز وجل يذكره على طريق وجوب ذلك لهم، لأنه هو المدعوّ المستدعى منه ذلك.

قال: (وتقول: ويل لك ويل طويل، وإن شئت جعلته بدلا من المبتدإ الأوّل، وإن شئت جعلته صفة له، وإن شئت قلت: ويل لك ويلا طويلا تجعل الأخير غير مبدل ولا موصوف به ولكن تجعله دائما).

يعني: تجعل ويلا طويلا في معنى الحال؛ كأنّه قال: ويل لك دائما.

قال: (ومن هذا الباب: فداء لك أبي وأمي، وحمي لك أبي، ووقاء لك أميّ، ولا


(١) سورة محمد، الآية: ٣١.
(٢) سورة الحج، الآية: ٧٧.
(٣) سورة المرسلات، الآية: ١٥.
(٤) سورة المطففين، الآية: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>