للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيّاه تعمل في إثباته، ولا بمنزلة المرفوع المبتدإ الذي فيه معنى الفعل، كذلك لم يجز أن تجعل المرفوع الذي فيه معنى الفعل بمنزلة المنصوب الذي أنت في حال ذكرك إياه تعمل في إثباته وتزجيته، ولم يجز لك أن تجعل

المنصوب بمنزلة المرفوع لأن العرب إنما أجرت الحروف على وجهين.

ومثل المرفوع: طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (١). يعني أنّ طوبي وإن لم يتبين فيها الإعراب فهي في موضع رفع؛ لأن المعطوف عليها وهو حسن مآب رفع، وأما قوله عزّ وجل: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢). ووَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (٣). فإنّه لا ينبغي أن تقول إنه دعاء عليهم؛ لأن الكلام واللفظ بذلك قبيح، ولكن العرب إنما كلّموا بكلامهم، وجاء القرآن على لغتهم وما يعنون؛ فكأنه- والله أعلم- قيل لهم ويل للمطففين، وويل يومئذ للمكذبين، أي: هؤلاء ممن وجب لهم هذا القول، لأنّ هذا الكلام إنما يقال لصاحب الشّرّ والهلكة، فقيل: هؤلاء ممن دخل في الهلكة ووجب لهم هذا.

ومثل ذلك: قوله عزّ وجل: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤).

فالعلم قد أتى من وراء ما يكون ولكن اذهبا أنتما على رجائكما وطمعكما ومبلغكما من العلم وليس لهما أكثر من ذا ما لم يعلماه.

ومثله: قاتَلَهُمُ اللَّهُ * (٥). وإنما أجري هذا على كلام العرب وبه نزل القرآن).

قال أبو سعيد: قد يعبّر عن بعض أفعال الله عزّ وجلّ ممّا جاء في القرآن وغيره بما لو حمل على حقيقة اللغة لم يجز أن يوصف بذلك، من ذلك قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى (٦). وقوله جلّ وعزّ: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ


(١) سورة الرعد، الآية: ٢٩.
(٢) سورة المرسلات، الآية: ١٥.
(٣) سورة المطففين، الآية: ١.
(٤) سورة طه، الآية: ٤٤.
(٥) سورة التوبة، الآية: ٣٠ - سورة المنافقون، الآية: ٤.
(٦) سورة الحجرات، الآية: ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>