للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالجواب في ذلك: أن هذه الأعداد إذا عددتها لم تقع فاعلة، ولا مفعولة، ولا مبتدأة ولا خبرا ولا في جملة كلام آخر، والإعراب في أصله للفرق بين اسمين في كلام واحد ولفظين مجتمعين في قصة، لكل واحد منهما معنى خلاف معنى صاحبه؛ فيفرق بين إعرابهما للدلالة على اختلاف معناهما، أو يكون الإعراب لشيء محمول على ما ذكرنا، فلما لم تكن هذه الأعداد على الحد الذي يستوجب الإعراب، ولا على الحد الذي يحمل- على ما استوجب الإعراب- سكّنّ وصرن بمنزلة الأصوات، كقولك: صه، ومه، وبخ بخ.

ويجوز أن تقول: " واحد اثنان " فتكسر الدال من: واحد.

فإن قال قائل: لم كسرت الدال من واحد؟ أللتقاء الساكنين؟ أم ألقيت كسرة الهمزة على الدال فكسرتها؟

قيل له: بل ألقيت كسرة الهمزة على الدال، ولا يصلح أن تكون الكسرة لالتقاء الساكنين، من قبل أن كل كلمة من هذه المقضية عليها بالوقف واستئناف ما بعدها، كأن لم يتقدمه شيء. وألف القطع والوصل يستويان في الابتداء ويثبتان، فألف اثنان ثابتة، إذا كان التقدير فيهما أن تكون مبتدأة، فهي بمنزلة ألف القطع، وألف القطع يجوز إلقاء حركتها على الساكن قبلها؛ فلذلك كانت الكسرة في الدال من: " واحد " هي الكسرة التي ألقيت عليها من همزة: " اثنان "، ويدل على صحة ذلك أنهم يقولون في هذا إذا خففوا الهمزة: " ثلاثة أربعة "؛ فيحذفون الهمزة من أربعة، ولا

يقلبون الهاء في ثلاثة تاء من قبل أن الثالثة عندهم في حكم الوقف، والأربعة في حكم الكلام المستأنف، وإنما تنقلب هذه الهاء تاء إذا وصلت، فلما كانت مقدرة على الوقف بقيت هاء، وإن ألقيت عليها حركة ما بعدها، كما تكون هاء إذا لم يكن بعدها شيء.

فإن قال قائل: لم قالوا: " اثنان "، فأثبتوا النون في العدد، ومن قولهم إنما تدخل النون عوضا عن الحركة والتنوين، وهذا موضع يسكن فيه العدد؟

فالجواب في ذلك أن " اثنان " صيغ بثبات النون على معناه، ولم يقصد إلى " اثن " فتضمه إلى مثله؛ إذ كان لا ينطق " باثن "، ولكنه لما كان حكم التثنية في الأشياء التي ينطق بواحدها، متى ثنيت أن تزاد النون فيها عوضا من الحركة والتنوين. وقد جاء اثنان وإن لم ينطق بإثن، على ما يجيء عليه الشيء المنطوق بواحده، حمل عليه وإن لم يكن له

<<  <  ج: ص:  >  >>