للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وستقف على شرح هذا في موضعه إذا بلغنا إليه إن شاء الله.

والكوفيّون يجيزون العطف بغير توكيد، والأمر في ترك التوكيد عندهم أسهل منه عند البصريين، وسيبويه يرى ترك التوكيد وما يقوم مقامه قبيحا إلا في الشّعر، والكوفيّون لا يرونه قبيحا. ومما ينشد في ذلك غير البيتين اللذين ذكرناهما قول جرير:

ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه ... ما لم يكن وأب له لينالا (١)

عطف أب على الضمير في يكن.

وأمّا توكيد الضمير المتّصل المرفوع بالنفس فلا يحسن حتى تقدّم قبل النفس توكيدا؛ لا يحسن: فعلت نفسك حتى تقول: فعلت أنت نفسك. وإنّما احتاجت إلى تقديم توكيد قبلها لأنها اسم يتصرف، وتقع في جميع مواضع الأسماء، ويؤكّد بها، فيعرض في بعض مواضع توكيد المرفوع لبس إن لم يؤكد، وذلك أن تقول: هند خرجت نفسها، فتكون نفسها فاعلة خرجت، كما تقول: هند خرجت جاريتها، وليس في خرجت ضمير، ويجوز أن تقول: هند خرجت نفسها، على أنّ هندا هي الخارجة، وفي خرجت ضميرها فلا يتبيّن أن معناها: خرجت هند، أو خرجت

نفس هند، ومعناهما مختلف في مقاصد الناس، فإذا أكّدوا قبل النفس فقالوا: هند خرجت هي نفسها زال اللّبس؛ فلذلك اختاروا التوكيد.

وقول سيبويه: " ولمّا كانت نفسك يتكلّم بها مبتدأة وتحمل على ما يجرّ وينصب ويرفع، شبّهوها بما يشرك المضمر ".

قال أبو سعيد: أراد سيبويه الفصل بين أجمعين وبين نفسك؛ فلأن أجمعين لا يكون إلا توكيدا لم يحتج إلى تقدّم ضمير، ولمّا كانت النفس اسما يتصرف شبّهت بما يعطف من الأسماء على الضمير.

قال أبو سعيد: والذي عندي: شبهوها بما لا يشرك المضمر؛ لأنه إنما يحتجّ لاحتياجهم إلى التوكيد قبل ذكر النفس، فالنفس في ذلك بمنزلة المعطوف على ضمير المرفوع في باب التوكيد.

وأمّا المنصوب والمخفوض فإذا أكّدا بالنفس لم يحتج إلى تقدمة توكيد قبلها وذلك من جهتين:


(١) البيت في ديوانه ٤٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>