ومثل ذلك قولهم في جواب كيف أصبحت؟ صالح، وفي من رأيت: زيد، كأنه قال: أنا صالح، ومن رأيت زيد.
والنصب في هذا الوجه؛ لأنّه الجواب على كلام المخاطب، وهو أقرب أن تأخذ به. وقال: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [النحل: ٢٤]. وقد يجوز أن تقول إذا قلت: من ذا الذي رأيت؟: زيدا؛ لأنّ هاهنا معنى فعل، ويجوز النصب هاهنا كما جاز الرفع في الأول.
قال أبو سعيد: قد اشتمل هذا الباب على الكلام في ماذا، وقد فسّره سيبويه وغيره على الوجهين اللّذين ذكرهما.
فإن قال قائل: هلا جعلتم ذا زائدة وجعلتم ما للاستفهام وبمعنى الذي كما كانت قبل دخول ذا؟ ويكون:«ماذا أنزل ربّكم» بتقدير: ما أنزل ربكم؟ وقوله:
دعي ماذا علمت سأتقيه
بتقدير: دعي ما علمت، كما يقال دعي الذي علمت، فإنّ سيبويه استدلّ على بطلان هذا بشيئين.
أحدهما: أنّ ذا لو كانت زائدة لوجب أن يقال: عمّ ذا تسأل؟ كما يقال: عمّ تسأل؟ فيسقط ألف ما حين دخل عليه حرف الجرّ.
والوجه الآخر: أنّ ذا إذا كانت زائدة ثم قلنا ماذا تصنع؟ كانت ما في موضع نصب، وتكون حقيقة جوابه منصوبا، فلمّا قال:
أنحب فيقضى أم ضلال وباطل
وهو بدل من ما، علم أنّ ما في موضع رفع، وإذا كانت في موضع رفع فهي مبتدأة وخبرها ذا، ويحاول صلة ذا، والعائد إليها هاء محذوفة كأنه قال: ماذا يحاوله، فإذا قال قائل: ماذا صنعت؟ أو «ماذا أنزل ربّكم» فهو على الوجهين اللذين ذكرهما؛ إن شئت جعلت ما للاستفهام وهي اسم تامّ مرفوع بالابتداء، وخبره ذا وهي بمعنى الذي، وما بعده صلته، وإن شئت جعلت ما وذا جميعا بمنزلة ما وحدها، ويكونان كحرفين ركّبا لمعنى واحد نحو: كأنما، وحيثما في الجزاء، وما جرى مجراهما من الحروف المركبة، ويكون الجواب بالرفع والنصب على ما تقدّر من جعل ما مبتدأ أو منصوبا بالفعل.
فإن قال قائل: كيف يعلم السامع إذا قيل له: «ماذا أنزل ربّكم» ما قدّره المتكلّم من رفع ما أو نصبه حتى يجعل جوابه خيرا أو خير، فإنّ هذا لا يلزم السائل، ولكنه