للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل (١)

ومثل ذلك: مرض حتى يمرّ به الطائر فيرحمه، وسرت حتى يعلم الله أننّي كالّ.

فالفعل هاهنا منقطع من الأوّل، وهو في الوجه الأول الذي ارتفع فيه متّصل كاتصاله بالفاء، كأنه قال: كان سير فدخول، كما قال علقمة بن عبدة:

ترادى على دمن الحياض فإن تعف ... فإنّ المندّى رحلة فركوب (٢)

لم يجعل ركوبه الآن ورحلته فيما مضي، ولم يجعل الدخول الآن وسيره فيما مضي، ولكنّ الآخر متصل بالأوّل، ولم يقع واحد دون الآخر.

وإذا قلت: لقد ضرب أمس حتى لا يستطيع أن يتحرك اليوم، فليس كقولك:

سرت فأدخلها، إذا لم ترد أن تجعل الدخول السّاعة؛ لأنّ السير والدخول جميعا وقعا فيما مضى. وكذلك مرض حتى لا يرجونه، أي حتى إنّه الآن لا يرجونه؛ فهذا ليس متّصلا بالأول واقعا معه فيما مضى.

وليس قولنا كاتصال الفاء يعني أنّ معناه معنى الفاء، ولكنّك أردت أن تخبر أنّه متّصل بالأول، وأنّهما وقعا فيما مضى.

وليس بين حتى في الاتصال وبينه في الانفصال فرق في أنّه بمنزلة حرف الابتداء، وأنّ المعنى واحد إلا أنّ أحد الموضعين الدخول فيه بالسّير متصل، وقد مضى السير والدخول، وإنما اتصاله في أنّه كان فيما مضى، وإلا فإنّه ليس يفارق موضعه الآخر في شيء إذا رفعت ".

قال أبو سعيد: من مذهب سيبويه: أنّ حتى من الحروف الخافضة للأسماء كاللام الخافضة للأسماء، وأنّها إذا نصبت الفعل فإنما تنصبه بإضمار أن كاللام، وقال الكسائي:

حتى لا تخفض، إنّما تخفض بعدها إلى مضمرة ومظهرة، فيقال: أكلت السمكة حتى إلى رأسها؛ فقد حصل بهذا أنّ حتى لا تعمل في الأسماء شيئا إذ كان الخفض بعدها بغيرها.

وقال الفرّاء وأصحابه: حتى من عوامل الأفعال مجراها مجري كي وأن، وليس عملها لازما في الأفعال إذ كان يبطل في: سرت حتى صبّحت القادسيّة، ودفعت حتى وصلت إلى الأمير، ثم لمّا صحبت إلى خفضت الأسماء لنيابتها عن إلى، وأنّها إذا عملت في


(١) البيت في ديوانه ١٢٣، الخزانة ٢/ ٤١٢؛ الكتاب ٣/ ١٩.
(٢) البيت في ديوانه ١٤، الكتاب ٣/ ١٩؛ والمقتضب ٢/ ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>