للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال غيره:

تقضّي لبانات ويسأم سائم

يجعل (تقضّي) مصدرا، وهو اسم (كان) وليس في (كان) ضمير، ويسأم معناه:

وأن يسأم، وهو عطف على (تقضّي) وتقديره: وأن تتقضّى لبانات وأن يسأم سائم.

وإنما قبح إضمار (أن) بعد (الفاء) في الواجب، لأن الذي أحوجنا إلى إضمارها وتقدير الكلام على غير ظاهره، وحمله على غير لفظه، الدلالة على المخالفة بين الأول والثاني على ما بيناه. وإذا كان ذلك في الواجب، لم يقع خلاف بين الأول والثاني يحوجنا إلى ذلك التقدير؟ وذلك قوله:

إنه عندنا فيحدثنا، وسوف آته فأحدثه، الأول والثاني واجبان على كل حال.

أما قوله: سوف آته فأحدثه، فهما فعلان، قد عطف أحدهما على الآخر، وهما بمعنى واحد. وأما إنه عندنا فيحدثنا، فالثاني منقطع من الأول، وهو موجب مثله، إلا أنه عطف جملة على جملة، ومثله في الانقطاع من الأول قول الله- تبارك وتعالى-: فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ (١)، استأنف (يتعلمون) وأخبر به، وليس بعطف على ما قبله، كأنه قيل لهم: لا تتعلموا فيأبون فيتعلمون على جهة المخالفة، ومثله قول الله- عز وجل-: فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٢).

قوله (فيكون) ليس بجواب لكن لأن الكلام الأول وجوابه جميعا من كلام واحد غير منقطع أحدهما من الآخر، ولم يرد الله- عز وجل- أنه يقول للشيء كن فيكون، وكن فيكون منصوب لأن للشيء، والذي قيل للشيء (كن) فحسب، ثم خبّر عنه أنه يكون، فصار (يكون) كلاما منفردا مستأنفا، ودخلت عليه (الفاء) لأنه عطف جملة على جملة.

وأما من قرأ (فيكون) بالنصب، فإنما يعطفه على المنصوب الذي قبله إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: ٤٠] معطوف على (نقول). وأما قراءة عبد الله بن عامر اليحصبي: إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ

فَيَكُونُ

[آل عمران: ٤٧] فضعيفة؛ لأنه لا منصوب قبله فيعطف عليه، وإنما ينصب مثله في ضرورة الشعر؛ لأنه موجب، وما قبله موجب، وهو مثل:


(١) سورة البقرة، الآية: ١٠٢.
(٢) سورة مريم، الآية: ٣٥، وسورة يس، الآية: ٨٢، وسورة غافر، الآية: ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>