للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيهما على أحد تقديرين، هي فيهما جميعا في تقدير إضافة إلى شيء، وذلك أنك إذا قلت: " لم أره مذ يومان " أو " مذ شهران " أو نحو ذلك مما يكون جوابا لكم، فتقديره:

" لم أره وقتا ما "، ثم فسرت ذلك فقلت؛ أمد ذلك شهران، أو: مدة ذلك شهران، فقولك: " مذ شهران " جملة ثانية، هي تفسير للوقت المبهم في الجملة الأولى، فهذا أحد تقديري: " مذ " إذا رفعت ما بعدها.

والتقدير الآخر أن تقول: " ما رأيته مذ يوم الجمعة " فيكون تقديره: فقدت رؤيته وقتا أوله يوم الجمعة فمذ في هذين الوجهين بمنزلة اسم مضاف، إما على تقدير؛ أمد ذلك، أو: أول ذلك. فإذا حذفت المضاف إليه من (يوم) الذي هو في معناه في قولك:

" ما رأيته يوم يوم " بنيته على الضم كما فعلت بقبل، وبعد، وحين حذفت المضاف إليه ولا يجوز أن تقول: " ما رأيته شهر شهر " ولا: " دهر دهر " من قبل أن (يوم) اسم يستعمل للأوقات كلها ليلها ونهارها، والشهر اسم مؤقت

لشيء من الزمان والدهر لما كثر منه، وإن لم يكن مؤقتا.

والدليل على أن اليوم اسم يقع لكل جزء من الزمان ليل أو نهار قول الله جل ذكره:

وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ (١) فهذا زجر عن الفرار في كل وقت من آناء الليل والنهار. ومن أبين ما يدل على هذا قول الشاعر:

يا حبذا العرصات يو ... ما في ليال مقمرات

أراد وقتا؛ فلما كان (يوم) يقع على كل شيء من الزمان كما يقع (مذ)، أقاموه مقامه، فاعرفه إن شاء الله.

ومن ذلك: لدن. وفيه ثماني لغات، وهي: لدن، ولدن، ولدن، ولدن، ولدا، ولد، ولد، ولد. ومعناها: عند، وهي مبنية مع دخول حرف الجر عليها.

فإن قال قائل: فهلا أعربت كما أعربت " عند "؟

فالجواب في ذلك: أن " عند " توسعوا فيها، وأوقعوها على ما بحضرتك، وما يبعد.

وإن كان أصلها للحاضر، فقالوا: " عندي مال " وإن كان بخراسان، وأنت بمدينة السّلام.


(١) سورة الأنفال، آية ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>