للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نصب (نقر) ونحمله على (نبين)، وذلك أن الله- عز وجل- ذكر خلق الإنسان من تراب، ونقله من حال إلى حال وهم معترفون بذلك، ليبين به البعث الذي لا يعترفون به فقال- عز من قائل-: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ (١)، فبين- جل ثناؤه- بقدرته على هذه الأحوال التي يعترفون بها قدرته على البعث، لأنه أحيا ما قد بلى ورمّ وصار ترابا من الجلد والعظم وغير ذلك ونقله إلى الحياة، كنقل التراب إلى الحيوان في الابتداء؛ وذكر الله- تبارك وتعالى- ذلك للبيان لهم أمر البعث.

وقوله- تبارك وتعالى-: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى (٢) (أن) في صلة ما قبله، وسياقه: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ (٣) يعني: إن لم يكن الشهيدان رجلين فالمستشهدون رجل وامرأتان؛ وبين السبب في جعل المرأتين مكان الرجل وهو إذكار إحداهما الأخرى الشهادة إذا نسيتها؛ ولو كانت امرأة واحدة فنسيت، لم يكن لها من يذاكرها للشهادة إذا نسيتها.

فإن قال قائل: يذكرها الرجل الشاهد معها.

قيل له: العادة الجارية أن النساء يلاقين النساء في المجادلة والمؤانسة والمطاولة في المجالسة والحديث، كما أن الرجال فيما بينهم كذلك، فلنقصد النساء ضم إلى المرأة مثلها ليقوى بالضم حالهما. وتذكرهما في هذه الحال على ترتيب الكلام؛ وامرأتان لتذكر إحداهما الأخرى إذا ضلت.

والعرب تتسع في مثل هذا بالتقديم والتأخير، فيقدمون الإذكار مرة على ما يوجبه الترتيب الذي ذكرناه، ومرة يقدمون سببه وهو الضلال، والضلال: النسيان في هذا الموضع، لأنه لا يقع في ذلك لبس، ومثله: أعددت الخشب أن يميل الحائط فأدعمه به، وهو إنما أعده للدعم، وذكر الميل الذي هو سبب الدعم.

وقراءة أهل الكوفة بكسر (إن) قرأ حمزة: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا [البقرة: ٢٨٢] كما تقول: إن تأتني فأحسن إليك؛ ولا يدخل هذا فيما ذكره سيبويه.

وأما (فأبهت) بالرفع، فهو بمنزلة: فإذا أنا مبهوت، وهو من نحو:


(١) سورة الحج، الآية: ٥.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٨٢.
(٣) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>