للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كالقول في الاستفهام، ألا ترى أنك إذا استفهمت لم تجعل ما بعده صلة؟ والوجه أن تقول: الفعل ليس في الجزاء بصلة لما قبله، كما أنه في حروف الاستفهام ليس صلة لما قبله؛ وإذا قلت: حيثما تكن أكن، فليس بصلة لما قبله، كما أنك إذا قلت: أين تكون؟ وأنت تستفهم، فليس الفعل بصلة لما قبله فهذا في الجزاء ليس بصلة لما قبله، كما أن ذلك في الاستفهام ليس بوصل لما قبله.

ويقول: من يضربك؟ في الاستفهام، وفي الجزاء: من يضربك اضربه، فالفعل فيهما غير صلة.

وسألت الخليل عن (مهما) فقال: هي ما أدخلت عليها (ما) لغوا، بمنزلتها مع (متى) إذا قلت: متى تأتني آتك؛ وبمنزلتها مع (إن) إذا قلت: إن ما تأتني آتك؛ وبمنزلتها مع (أين) كما قال الله- تبارك وتعالى-: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ (١)؛ وبمنزلتها مع (أي) إذا قلت:

أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٢)؛ ولكنهم استقبحوا أن يكرروا لفظا واحدا فيقولوا: ما ما، فأبدلوا (الهاء) من (الألف) التي في (ما) الأولى، وقد يجوز أن تكون (مه) كإن ضمّ إليها (ما).

وسألت الخليل عن قوله: كيف تصنع أصنع، فقال: هي متكرهة، وليست من حروف الجزاء، ومخرجها على الجزاء؛ لأن معناها على أي حال تكن أكن، وسألته عن (إذا)، ما منعهم أن يجازوا بها؟ فقال: الفعل في (إذا) بمنزلة الفعل في (إذ)، إذا قلت: أتذكر إذ تقول، ف (إذا) فيما يستقبل بمنزلة (إذ) فيما مضى؛ ويبيّن هذا أن (إذا) يجيء وقتا معلوما، ألا ترى أنك لو قلت: آتيك إذا احمّر البسر، كان حسنا، ولو قلت: آتيك إن احمّر البسر، كان قبيحا؛ ف (إن) أبدا مبهمة، وكذلك حروف الجزاء؛ و (إذا) توصل بالفعل، فالفعل في (إذا) بمنزلته في (حين) كأنك قلت:

الحين الذي تأتيني فيه آتيك فيه. قال ذو الرمة:

تصغي إذا شدّها بالرّحل جانحة ... حتّى إذا ما استوى في غرزها تثب (٣)


(١) سورة النساء، الآية: ٧٨.
(٢) سورة الإسراء، الآية: ١١٠.
(٣) البيت في ديوانه ٤٨؛ الكتاب ٣/ ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>