للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيخرجان عن حكم كل واحد منهما إلى حكم مفرد نحو: لولا، وهلا، وغيرهما.

وجعلها سيبويه حرفا لوقوعها موقع (أن)، ولم يقم دليلا على اسميتها، وما علمنا أحدا من النحويين ذكر (إذ ما) غير سيبويه، إلا أن يكون من بعض أصحابه، ومن يأخذ عنه.

وقد قال بعض النحويين: (إذ ما) هي (إمّا)، عدلوا عن (إما) إليها، لأن (إما) لا تكاد تأتي إلا بدخول (النون) على الفعل الذي بعدها نحو قول الله- عز وجل-: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ (١) ووَ إِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً (٢) وفَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً (٣). وليس في القرآن- فيما اعلم- فعل بعد (إما) إلا ب (النون)؛ فلما احتاج الشاعر إلى (إما) وكانت (النون) تكسر البيت، جعل مكانها (إذ ما) وأما دخول (ما) على (حيث) للمجازاة، فلأن (حيث) اسم للمكان، فكان يلزمها الإيضاح قبل المجازاة بها كقولك: أقمت حيث زيد مقيم، وحيث زيد مقيم أقيم؛ ولو قلت: حيث أقيم أو أقمت لم يجز، فلما أرادوا المجازاة لزمهم إبهامها وإسقاط ما يوضحها، وألزموها (ما) كما ألزموا (ما) إنما، وكأنما، وربما؛ وجعلوا لزوم (ما) دلالة على إبطال مذهبها الأول. ثم جعلوها بمنزلة (أين) في المجازاة ولم تزل عن معناها الأول وقصد المكان بها لزوال (إذ) عن معناها الأول.

وأما قول لبيد:

فأصبحت أنّى تأتها تلتبس بها (٤)

ففي معناه بعض اللبس، والبيت في موضعين فيه اختلاف رواية:

أحدهما: أنىّ تأتها تلتبس بها، وتبتئس بها.

والآخر: تحت رجلك، وتحت رحلك.

ومعناه: أنه يخاطب رجلا قد وقع في معضلة وقصة صعبة يعسر التخلص منها، فنقول: كيف أتيت هذه المعضلة من قدّام أو من خلف تلتبس بها ولا مخلص، وهو جواب الشرط؛ والالتباس بها: الدخول فيها والاختلاط بها، وتبتئس: يصيبك منها بؤس.


(١) سورة الأنفال، الآية: ٥٧.
(٢) سورة الأنفال، الآية: ٥٨.
(٣) سورة مريم، الآية: ٢٦.
(٤) صدر بيت سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>