للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يجوز أن تنوي في (كان) وأشباه (كان) علامة إضمار المخاطب، ولا تذكرها لو قلت: ليس من يأتك تعطه، تريد لست لم يجز ولو جاز ذا لقلت: كان من يأتك تعطه تريد به كنت.

قال الأعشى:

في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (١)

فهذا يريد معنى الهاء.

ولا يخفّف (أن) إلا عليه كما قال: قد علمت أن لا يقول وأي إنّه لا يقول، وقال تعالى: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا (٢) وليس هذا بقوي في الكلام كقّوة (أن لا يقول) لأن لها عوض من ذهاب العلامة، ألا ترى أنهم لا يكادون يتكلمون به بغير الهاء، فيقولون: قد علمت أن عبد الله منطلق.

قال أبو سعيد: قد ذكرنا أن الاسم الذي يجازى به لا يعمل فيه إلا فعل الشرط، أو ما يتصل بفعل الشرط والابتداء، فإذا دخل عليها مما قبلها ما ينصبها أو يرفعها أو يخفضها لم يجاز بها وبطل عملها، فلما قلت:

إنّ من يأتيني، وكان من يأتيني، انتصب (من) بإن، وارتفع بكان، فبطل تضمنها لحرف المجازاة لاستحالة وقوع حرف المجازاة بعد هذه العوامل، ومن أجل هذا قال سيبويه: ((فلما أعملتهن ... يعني العوامل- في (من) ذهب الجزاء ولم يكن من مواضعه، ألا ترى أنك لو جئت (بأن) و (متى) كان محالا، فاستدل باستحالة وقوع (إن) و (متى) بعد كان وأشباهه إن (من) لا تقع بعدهن إذا كانت للمجازاة لتضمنها معنى (إن) وذكر متى معها، لأن (متى) وإن كانت اسما لا تدخل عليها العوامل التي تدخل على (من، وما، وأي) لأن هذه الأسماء يخبر عنها، ويدخل عليها جميع العوامل التي تدخل على الأسماء المتمكنة، و (متى) لا يخبر عنها، وكذلك (أين، وحيثما، وأنّى) فإذا شغلت هذه العوامل بشيء، فصار الموضع بعده موضعا يقع فيه المبتدأ جاز أن يقع (من، وما، وأي) للمجازاة نحو قولك: إنه من يأتني آته، وكنت من يأتني آته، وكان من يأته يعطه إذا أضمرت فيه اسما جرى ذكره، وكذلك إن جعل فيه ضمير الأمر والشأن كقولك: كان من يأت زيدا يكرمه، والأبيات التي أنشدها فيها كلها ضمير محذوف منصوب من (أنّ)


(١) البيت في ديوانه ١٠٩، الكتاب ٢/ ١٣٧، ٣/ ٧٤؛ المقتضب ٣/ ٩.
(٢) سورة طه، الآية: ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>