للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتدفن منه الصالحات ... ... (١)

يعني إذا أحسن لم يشهد إحسانه، ولم يذكر لأنه لا يعرف.

قال أبو سعيد: فصّل سيبويه بين حكم ثم في نصب الفعل، وحكم الفاء والواو، وأجاز بعد الفاء والواو النصب على إضمار (أن) على التفسير الذي فسرناه، ولم يجز النصب في ثم، والذي يجوز في (ثم) العطف على لفظ الفعل الذي قبلها، واستئناف ما بعدها على مذهب عطف جملة في الموضوع الذي تقع فيه الجمل، ويجوز في الفاء والواو هذان الوجهان، ووجه ثالث، وهو تقدير (أن) في الفعل الذي بعدهما، وتقدير ما قبلهما مصدرا معطوفا عليه، فمن ذلك أنك تقول: إن تأتني فتحدثني آتك، وإن تأتني وتحدثني آتك، ولا يجوز إن تأتني، ثم تحدثني أأتك. وتقول: إن تأتني أأتك ثم أحدثك بالجزم عطفا على أأتك، ويجوز ثم أحدثك بالرفع على الاستئناف فعطف جملة على جملة كأنه قال: ثم أنا أحدثك، ولا يجوز أن تقول: ثم أحدثك على معنى إن يكن إتيان ثم حديث، كما جاز آآتك فأحدثك، وآآتيك أحدثك، ومما يكون بعد (ثم) فيه مستأنفا قول الله- تبارك وتعالى-: وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ، ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (٢) فاستأنف لا ينصرون بعد ثم، ثم قال- جل ثناؤه-: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ، ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣) فجزم يكونوا بالعطف على يستبدل، وإنما جاز في الفاء والواو ما لم يجز في ثم لأنهما جعلتا جوابا بالمعنى يختص به كل واحدة منهما ليس في ثم، فالفاء تكون جوابا، لأن فيها معنى اتصال ما بعدها بما قبلها، والواو فيها معنى الاجتماع، وليس في ثم معنى الاتصال، ولا معنى اجتماع، وقد ذكرنا حال الفاء والواو، ومعناهما في مواضعهما، فإذا اكتفيت بالفاء في جواب الشرط، أوليتها اسما وخبرا، ثم عطفت عليه فعلا، فالوجه فيه الرفع، كقولك: إن تأتني فهو خير لك وأكرمك، لأن أكرمك لما عطفته على ما بعد الفاء صار كأنه واقع بعد الفاء، فارتفع ومثله في القرآن: وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ (٤) وهذا وجه الكلام والمختار فيه، ولذلك اختار من


(١) البيت منسوب للأعشى سبق تخريجه.
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١١١.
(٣) سورة محمد، الآية: ٣٨.
(٤) سورة البقرة، الآية: ٢٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>