للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قال قائل: فهلا جعلوا الألف للنصب في التثنية والواو له في الجمع وأسقطوا الرفع وألحقوه بالجر؟

قيل له: إن الرفع له المرتبة الأولى فلا بد له من علامة تسبق إليه على النحو الذي تكون فيه حركته وتلك العلامة الواو، وقد أمكن فيها الفصل على ما وصفنا فلم تكن بنا حاجة إلى إسقاطه وإلحاقه بغيره.

واعلم أن الألف والياء في التثنية والواو والياء في الجمع عند جمهور مفسري كتاب سيبويه هن حروف الإعراب بمنزلة الدال من زيد والراء من جعفر والألف من قفا وعصا.

واحتجوا في ذلك بحجج، منها: أنهم قالوا: حكم الإعراب أن يدخل الكلمة بعد دلالتها على معناها؛ لاختلاف أحوالها في فعلها، ووقوع الفعل بها، وغير ذلك من المعاني ومعنى ذاتها واحد، ألا ترى أنك تقول: " مررت بالرجل " و " رأيت الرجل "، و " هذا الرجل "، فمعنى " الرجل " واحد في هذه الأحوال، واختلف إعرابه لاختلاف ما يقع منه وبه، فلما كان الواحد دالا على مفرد وبزيادة حرف التثنية دل على اثنين، كان حرف التثنية من تمام صيغة الكلمة للمعنى الذي وضعت له فصارت الألف بمنزلة الهاء في " قائمة "، والألف في " حبلى "، لأن الهاء والألف زيدتا لمعنى التأنيث، كما زيد حرف التثنية لمعنى التثنية: قالوا: فإن قال قائل: إذا كانت هذه الحروف هي حروف الإعراب، كالألف في " حبلى " والنصب والهاء في " قائمة " وغير ذلك من الحروف التي هي أواخر الكلمة، فينبغي أن لا يتغيرن في حال الرفع والجر، لأن حروف الإعراب لا تتغير ذواتها في هذه الأحوال.

فالجواب في ذلك أن التثنية والجمع خاصة ينفردان بها، فاستحقا من أجلها التغيير وهي أن كل اسم معتل لا تدخله الحركات فله نظير من الصحيح تدخله الحركات نحو قفا وعصا وحبلى وسكرى، نظير قفا وعصا جبل وجمل، ونظير ألف التأنيث في حبلى وسكرى حمراء وفقهاء. لأن هذه الهمزة في حمراء وفقهاء هي ألف التأنيث، والتثنية وجمع السلامة لا نظير لواحد منهما إلا تثنية أو جمع فامتنع التثنية والجمع من نظير يدل إعرابه على مثل إعرابهما، كدلالة جمل وجبل وحمراء وفقهاء، على إعراب أمثالهن من المعتل فعوض التثنية والجمع من فقد النظير الدال على مثل إعرابهما تغيير الحروف فيهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>