للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يجز الفراء " بئسما صنيعك " و " ساء ما صنيعك " على أن تجعل " ما " بمنزلة " شيئا " أو بمنزلة " الشيء " ويجعل " صنيعك " بمنزلة " زيد " في قولك بئس شيئا زيد وأجازه على تأويل آخر: إذا جعلت ما بعد " بئس " بمنزلة " إذا " بعد (حب) فتقول:

" بئس ما صنيعك " كما تقول " حبذا صنيعك " وفصل بين هذا والأول. لأن بئس الرجل زيد مرفوع عند الفراء بشيء ناب عنه بئس. أو قام مقامه وأصله: رجل بئس زيد " فرجل " رفع بزيد وزيد " رفع به " ثم حذفوا " رجل " وأظهروا الضمر الذي في " بئس ":

فقالوا: بئس الرجل. فناب " بئس " عن " الرجل " ورفع زيدا. ورفع " الرجل " كما يرفع الفعل فاعله ف " نعم " رافع عند الفراء للرجل ولزيد جميعا. وإذا جعلهما وما بعدها بمنزلة " حبذا " فزيد " مرفوع بحبذا " كما هي.

وعلى هذا الوجه جعل الفراء قول الله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا (١)، و " حبذا " بمنزلة اسم يرافعه " زيد ". وليس (لذا) موضع عنده. و " ذا " كبعض حروف الكلمة الذي لا موضع له.

وقد أجاز الفراء أن تكون " ما " زائدة في " نعم وبئس " وإذا كانت كذلك صارت " ما " كأنها ليست في الكلام ويكون ما بعدها كما بعد نعم وبئس. وتقول بئسما رجلا زيد. وبئسما رجلين الزيدان.

وقال الكسائي: ما بعد " نعم وبئس " بمنزلة اسم تام فإذا كان بعده اسم فهو بمنزلة " زيد " بعد " نعم الرجل ". وإذا كان بعده فعل. كان فيه إضمار " ما " أخرى وذلك قولك في الاسم: نعم ما صنيعك وبئس ما كلامك: نعم شيئا صنيعك وبئس شيئا صنيعك وبئس شيئا كلامك. ومثله من كلام العرب: " بئسما تزويج ولا مهر " كأنه قال: بئس الشيء تزويج بغير مهر. وفي الفعل: بئسما صنعت. أضمر " ما " أخرى قبل " صنعت " تقديره بئسما ما صنعت كأنك قلت: بئس شيئا شيء صنيعك.

والدليل على ذلك: أن " ما " دخلت عليه " نعم " ولم توصل. ولم توصف في قوله عز وجل: فَنِعِمَّا هِيَ (٢) وقول القائل: غسلته غسلا نعما يعني به: نعم الغسيل.


(١) سورة البقرة، الآية: ٢٧١.
(٢) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>