للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نظير له من الواحد قد اجتمع فيه معنيان يمنعان الصرف: أحدهما أنه جمع، والآخر أنه لا نظير له من الواحد؛ لأن نفس الجمع لا يمنع شبه الواحد في اللفظ، فإذا رأيناه جمعا ورأيناه مخالفا للواحد، ومخالفة الواحد هو معنى ثان، صار كأنه جمع آخر، كأنه جمع مرّتين، منع الصرف لذلك.

فإن قال قائل: فقد رأينا هذا البناء في الواحد، وهو قولهم للضّبع " حضاجر ".

قال الحطيئة:

هلا غضضبت لرحل جا ... رك إذ تنبّذه حضاجر (١)

قيل له: " حضاجر " جمع " حضجر " و " الحضجر " العظيم البطن، وإنما لقّبت الضبع بهذا اللقب، وصار علما لها لعظم بطنها، وبولغ لها في هذا الوصف، فجعلت كأنها ذات بطون عظام. والدليل على أن " حضاجر " جمع " حضجر ".

قول الشاعر:

حضجر كأمّ التّوأمين توكّأت ... على مرفقيها مستهلّة عاشر (٢)

أراد أنه عظيم البطن كامرأة في بطنها ولدان، وتم لها تسعة أشهر ودخلت في العاشر، واتكأت على مرفقيها، فنتأ بطنها وعظم، فذلك أعظم ما يكون.

فإن قال قائل: إذا كنت تمنع الصرف في الجمع الذي لا نظير له في الواحد، فينبغي ألا تصرف " أكلبا "؛ إذ لا نظير له من الواحد.

قيل له: لم يرد سيبويه بقوله: " على مثال ليس يكون للواحد " ما ذهبت إليه، إنما أراد: على مثال لا يجمع جمعا ثانيا؛ لأن ما كان على مثال يتأتّى فيه جمع ثان، فهو بمنزلة الواحد.

فإن اعترض معترض فقال: في الكلام أفعل نحو " آنك " و " أسنمة "، فإن سيبويه قد نفى أن يكون في الواحد أفعل.

ونحن نستقصي ما ينصرف وما لا ينصرف، إذا صرنا إليه إن شاء الله.

قال سيبويه: " واعلم أن المذكر أخف عليهم من المؤنث؛ لأن المذكّر أول، وهو


(١) ديوانه ص ١٦٨، وبلا نسبة في شرح ابن يعيش ١/ ٣٧.
(٢) البيت بلا نسبة في شرح ابن يعيش ١/ ٣٦، واللسان (حضجر).

<<  <  ج: ص:  >  >>