للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشاعر في الوجه الأول:

وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة ... على وجهه تلقي اللّسان من الفم (١)

وقال آخر في المعنى الثاني:

ألا غنّنا بالزّاهريّة إنّني ... على النّأي ممّا أن ألمّ بها ذكرا (٢)

أي من الأمر أن ألم بها ذكرا، أي من أمري إلمامي بها.

قال سيبويه: " فمما حذف وأصله في الكلام غير ذلك: " لم يك " و " لا أدر "، وأشباه ذلك ".

قال أبو سعيد: أما قوله " لم يك " فأصله " لم يكن "؛ لأن الأصل فيه قبل دخول " لم " أن يقال: " يكون " فدخلت عليها " لم " فسكنت النون لدخول الجزم، والتقى ساكنان الواو والنون، فسقطت الواو لالتقاء الساكنين، وكثر في كلامهم هذا الحرف، لأنه عبارة عن كل ما كان ويكون، والنون تشبه- إذا كانت ساكنة- حروف المدّ واللّين؛ لأنها غنّة في الخيشوم. وقد ذكرنا شبهها بحروف المدّ واللّين فيما تقدم، فشبّهوها في هذا الموضع وقد دخل عليها الجازم بقولهم: " لم يغز " و " لم يرم " فإذا لقيها ألف ولام، أو ألف وصل، لم يكن فيها إلا الإثبات والتحريك، كقولهم: " لم يكن الرّجل عندنا " قال لله عز وجل: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ (٣) وإنما لم يحذفوها إذا لقيها ساكن من قبل

أنها إذا تحرّكت لالتقاء السّاكنين، زال عنها شبه حروف المدّ واللّين، ويكون مخرجها من الفم لا من الأنف، فأقرّت على ما ينبغي لها.

فإن قال قائل: فينبغي أن يقال على قياس " لم يك ": " لم يص " و " لم يه " في " لم يصن " و " لم يهن "، قيل له: قد بيّنا أن القياس في " لم يكن " إثبات النون، وإنما شبّهوا النون بحروف المدّ واللّين، لما كثر في كلامهم هذا الحرف، وطلبوا خفّة اللفظ به، فالذي أوجب الحذف اجتماع معنيين: أحدهما شبه النّون بحروف المدّ واللين، والآخر كثرته في الكلام. وإذا انفرد أحدهما لم يجب الحذف، ولهذا نظائر: منها: أنّا نقول: " من الرّجل "


(١) البيت لأبي النميري في كتاب سيبويه ١/ ٧٤.
(٢) البيت بلا نسبة في المقتضب ٤/ ٧٥.
(٣) سورة البينة، آية: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>