ثم فسر ذلك فقال:" فأما المستقيم الحسن، فقولك، أتيتك أمس، وسآتيك غدا ".
وهذا كما قال؛ لأن ظاهره مستقيم اللفظ، والإعراب غير دالّ على كذب قائله، وكذلك كل كلام تكلّم به متكلّم، فأمكن أن يكون على ما قال، ولم يكن في لفظه خلل من جهة اللغة والنحو، فهو كلام مستقيم في الظاهر، وقد تبيّن في مثل هذا أن قائله كاذب فيما قاله، فتحكم على كلامه أنه كذب غير مستقيم من حيث كان كذبا، إلا أنه مستقيم اللفظ. ويلحق بقوله:" حملت الجبل " و " شربت ماء البحر " و " صعدت السّماء " في أنه كذب، غير أن الذي استعمله سيبويه في المستقيم، أن يكون مستقيم اللّفظ والإعراب فقط، وعنى بالمستقيم اللفظ والإعراب أن يكون جائزا في كلام العرب؛ دون أن يكون مختارا.
ثم قال:" وأما المحال فأن تنقض أوّل كلامك، فتقول: أتيتك غدا، وسآتيك أمس ".
فهذا كلام محال. ومعنى المحال أنه أحيل عن وجهه المستقيم، الذي به يفهم المعنى إذا تكلّم به.
وزعم قوم أن المحال إنما هو اجتماع المتضادّات، كالقيام والقعود، والبياض والسواد، وما أشبه ذلك؛ قالوا: لأن المحال هو ما لا يصحّ وجوده، والكلام الفاسد الذي ذكرتموه من قول القائل:" أتيتك غدا "، " وسآتيك أمس " كلام موجود، على ما فيه من الفساد والخلل، والمحال لا يوجد.
والذي نقول في هذا، وبالله التوفيق: إنّ المحال هو الكلام الذي يوجب اجتماع المتضادات، وقولنا إن القعود والقيام اجتماعهما محال، إنما نريد به الكلام الذي يوجب اجتماعهما محال، قد أحيل عن وجهه، ألا ترى أنك تقول لمن تكلّم به: قد أحلت في كلامك، فالكلام هو المحال، كما أن الكلام هو الكذب.
ثم قال:" وأما المستقيم الكذب فقولك: حملت الجبل، وشربت ماء البحر، ونحوه ".
وإنما خصّ " حملت الجبل " و " شربت ماء البحر " بالكذب؛ لأن ظاهرهما يدلّ على كذب قائلهما، قبل التصفّح والبحث، وإلا فكل كلام تكلّم به، وكان مخبره على