للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أكثر القرّاء، فصرف الأول على لفظ أبي القبيلة، وترك صرف الثاني؛ لأنه أريد بلفظه القبيلة نفسها.

قال الشاعر في هذا المعنى:

قامت تبكّيه على قبره ... من لي من بعدك يا عامر

تركتنى في الدار ذا غربة ... قد ذلّ من ليس له ناصر (١)

فأنث المبكّية، وحكى عنها أنها قالت لعامر: تركتني في الحيّ ذا غربة، وكان حكمها أن تقول: ذات غربة، ولكنه ردّ الكلام إلى معنى الإنسان؛ لأنها إنسان، فكأنها قالت: تركتني إنسانا ذا غربة. وكذا قوله: ذو الطول وذو العرض، ردّه إلى نفس عامر.

وأما قوله: " ومصعب حين جدّ الأمر "، فإن أصحابنا يروونه: " وأنتم حين جدّ الأمر " وقد يروى في نحو هذا بيت لدوسر بن دهبل القريعيّ:

وقائلة ما بال دوسر بعدنا ... صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند (٢)

والجيّد الصحيح في إنشاد هذا البيت: " وقائلة ما للقريعي بعدنا ".

قال أبو سعيد وكان ابن السّرّاج يقول: لو صحّت الرواية في ترك صرف ما ينصرف، ما كان بأبعد من قولهم:

فبيناه يشري رحله قال قائل ... لمن جمل رخو الملاط نجيب (٣)

فإنما هو: " فبينا هو يشري رحله " فحذف الواو من هو، وهي متحركة من نفس الكلمة، وليست بزائدة، فإذا جاز أن يحذف ما هو من نفس الحرف، جاز أن يحذف التنوين، الذي هو زائد، للضرورة.

قال أبو سعيد: والذي قاله وجه، غير أن حذف التنوين عندي، وإن كان زائدا أقبح من حذف الواو في " هو "؛ لأن التنوين علامة تفرّق بين ما ينصرف وما لا ينصرف، وسقوطه يوقع اللّبس، وحذف الواو من " هو " لا يوقع لبسا، ولا يلحقه بغير بابه.

وممّا زيد عليه حرف للضرورة قولهم في الشعر: " رأيت جعفرّا " و " مررت بجعفر " و " هذا جعفرّ "، وذلك أنهم يقولون في الوقف: " هذا جعفرّ " و " مررت بجعفرّ " ليدلّوا على


(١) بلا نسبة في ابن يعيش ٥/ ١٠٥، واللسان (عمر).
(٢) البيت في الأصمعيات ص ١٦٨، والخزانة ٤/ ٣٦٦.
(٣) البيت منسوب للعجير السلولي في الخزانة ٢/ ٣٩٦، وبلا نسبة في ابن يعيش ١/ ٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>