بعدها بمنزلة ما قبل اللامات، لأن هذا إنما هو مثل الإدغام، والإدغام إنما يدخل فيه الأول في الآخر، والآخر على حاله، ويقلب الأول فيدخل في الآخر حتى يصير هو والآخر من موضع واحد، ويكون الآخر على حاله، فإنما شبه هذا بهذا الضرب من الإدغام، ولا يتبعون الآخر الأول في الإدغام، فعلى هذا أجري هذا.
قال أبو سعيد: ذكر سيبويه في الباب الذي قبل هذا أن حروف الحلق إذا كانت عينا أو لاما جاز أن يأتي الفعل على يفعل، وماضيه فعل وذكر في هذا الباب أنه إذا كان حرف الحلق فاء الفعل، وكان الماضي على فعل لم يأت
مستقبله على يفعل، وإنما يأتي على يفعل أو يفعل بمنزلة ما ليس فيه حرف من حروف الحلق وفرق بينهما بأنه إذا كان حرف الحلق فاء من الفعل فهو يسكن في المستقبل، وأن هذا الساكن لا يوجب فتح ما بعده لضعفه بالسكون، كما أوجب لام الفعل إذا كان من حروف الحلق فتح ما قبله، لأن اللام متحركة، ثم شبه ذلك بالإدغام بأن الأول يتبع الثاني، يريد أن عين الفعل يجوز أن تتبع لام الفعل إذا كان لام الفعل من حروف الحلق، كما أن الحرف الأول يدغم فيما بعده، ولا تتبع عين الفعل فاءه؛ لأن الفاء قبل العين.
قال:" ومع هذا أن الذي قبل اللام فتحته اللام حيث قرب جواره منها؛ لأن الهمز وأخواته لو كنّ عينات فتحن، فلما وقع موضعهن الحرف الذي كنّ يفتحن به لو قرب فتح، وكرهوا أن يفتحوا هنا حرفا لو كان في موضع الهمزة لم يحرّك، ولزمه السكون، فحالهما في الفاء واحدة، كما أن حال هذين في العين واحدة "
يريد أن لام الفعل إذا كان من حروف الحلق فتحت العين، كما أن العين إذا كانت من حروف الحلق فتحت نفسها، فلما كانت تفتح نفسها إذا كانت من حروف الحلق وجب أن يفتحها ما يجاورها لاشتراكهما في الحركة، لأن العين واللام متحركتان جميعا، وليست كذلك الفاء والعين، لأن الفاء ساكنة في المستقبل والعين متحركة، فهما مختلفان ولو جعلت العين مكان الفاء سكنت وخالفت حالها الأولى في الحركة، ولو جعلت اللام مكان العين لم تخرج عن الحركة التي كانت تلزمها، هذا كلام سيبويه.
وعندي فيه وجه آخر يقوّي ما قال، وهو أن الفتحة التي تجتلبها حروف الحلق إنما هي على العين، والحركة في الحرف المتحرك يقدر أنها بعده، فهي بعد العين وقبل اللام، فتوسّطها بينهما ومجاورتها لهما واحدة، فمن أجل ذلك جاز أن تكون الفتحة تجتلبها العين واللام، وليست الفاء كذلك، لأن الفتحة بعيدة من الفاء إذا كانت تقع بعد الحرف