المخاطب فيما يحدثه وإن لم يكن بعدها منادى كقولك الشاعر:
يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصّالحين على سمعان من جار (١)
كأنه قال: لعنة الله على سمعان، فدخول يا كدخول ألا للتنبيه في هذا الموضع.
" وأما من فتكون لابتداء الغاية في الأماكن، وذلك قولك: من مكان كذا إلى مكان كذا، وتقول إذا كنت كتابا من فلان إلى فلان، فهذه الأسماء سوى الأماكن بمنزلتها " كأي بمنزلة الأماكن " وتكون أيضا في التبعيض، تقول: هذا من الثوب وهذا منهم، كأنك قلت بعضه وبعضهم، وقد تدخل في موضع لو لم تدخل فيه كان الكلام مستقيما، ولكنها توكيد بمنزلة ما، إلا أنها تجر لأنها حرف إضافة وذلك قولك: ما أتاني من رجل، وما رأيت من أحد، لو أخرجت من كان الكلام حسنا، ولكنه أكد بمن لأن هذا موضع تبعيض، فأراد أنه لم يأته بعض الرجال والناس ".
قال أبو سعيد: وقدره بعض النحويين عليه، فقال: إذا قلنا ما جاءني رجل احتمل أن يكون واحدا وأن يكون للجنس، وإذا دخلت من صارت للجنس لا غير.
قال أبو سعيد: وليس ذلك بمفسد لكلام سيبويه، لأن المتكلم إذا قال:
ما جاءني رجل يجوز أن تنفي الجنس بهذا اللفظ كما تنفيه بقوله: ما جاءني أحد، فإذا أدخل من فإنما يدخلها توكيدا، لأنه لم يتغير المعنى الذي قصده بدخول من، وإنما تزاد من، لأن فيه تأول البعض، لأنه قد نفي كل بعض للجنس الذي نفاه مفردا، كأنه قال: ما جاءني زيد ولا عمرو ولا غير ذلك من أبعاض هذا الجنس.
" وكذلك ويحه من رجل إنما أردت أن تجعل التعجب من بعض الرجال، وكذلك ملؤه لي من عسل، وكذلك هو أفضل من زيد " وشر من زيد " إنما أراد أن يفضله على بعض ولا يعم، وجعل زيدا الموضع الذي ارتفع منه أو
سفل منه في قولك: شر من زيد ".
قال أبو سعيد: الأولى في هذا أن يجعل النفي من الباب ابتداء الغايات لأنه إذا قال:
هو أفضل من زيد فقد ارتفع عن زيد وعن مكانه، فارتفاعه عن محل زيد هو ابتداء ارتفاعه حتى يفضي بذلك إلى أنه أفضل من كل من محله كمحل زيد أو دونه، لأنه ارتفع عن ذلك المكان، وللمعترض أن يقول: إذا جعل هذا تبعيضا فقد تقول: هو أفضل من