للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن ذلك حذف النّون الساكنة من الحروف التي بنيت على السكون، نحو " من " و " لكن " وإنما تحذف لالتقاء الساكنين، كما قال الشاعر:

فلست بآتيه ولا أستطيعه ولاك ... اسقني إن كان ماؤك ذا فضل (١)

أراد: ولكن اسقني، فلم يتّزن له.

ومنه قول الأعشى:

وكأنّ الخمر المدامة مل إس ... فنط ممزوجة بماء زلال (٢)

ومثله كثير في الشعر، وإنما ألقوها لالتقاء الساكنين؛ لأن النون تشبه حروف المدّ واللّين، وحروف المدّ واللين تحذف لاجتماع الساكنين، ومع ذلك فإنهم يحذفون التنوين الذي هو علامة الصرف، لاجتماع الساكنين وإن كان

الاختيار فيه التحريك، والتنوين نون ساكنة، فشبّهوا هذه النون التي وصفنا بالتنوين، غير أن حذف التنوين لالتقاء الساكنين جائز في الكلام وفي الشعر.

فأما في الكلام: " فقد قريء: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ (٣).

قال: وحدثني غير واحد من أصحابنا عن أبي العباس محمد بن يزيد أنه سمع عمارة ابن عقيل يقرأ: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ (٤) فقلت له: لو قلت سابق النهار، فقال: لو قلت سابق النهار لكان أوزن، يعني أثقل.

قال أبو سعيد: حضرت أبا بكر بن دريد وقد أنشد أبياتا تنحل آدم، وهي:

تغيّرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبرّ قبيح

تغيّر كلّ ذي لون وطعم ... وقلّ بشاشة الوّجه المليح (٥)

فقال أبو بكر: أول ما قال أقوى. فقلت له: إنشاد البيتين على وجه لا يكون إقواء، وإنما هو: وقلّ بشاشة الوجه المليح، على تقدير: وقلّ بشاشة الوجه المليح، فطرح التنوين، لالتقاء الساكنين، ومعنى: قلّ بشاشة الوجه المليح، كمعنى: وقلّ بشاشة الوجه


(١) البيت للنجاشي الحارسي في الخزانة ٤/ ٣٦٧، وبلا نسبة في اللسان (لكن).
(٢) البيت في ديوانه ٥، واللسان (اسفنط).
(٣) سورة الإخلاص، آية: ١، ٢.
(٤) سورة يس، آية ٤٠.
(٥) البيتان منسوبان لآدم في تاريخ الطبري ١/ ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>