للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك على الأصل دخلت الميم على الياء والواو والكسرة عليهما وإنما دعاهم إلى هذا الاعتلال ما ذكرت لك من كثرة والواو عليهما ولا سيما إذا اجتمعت واوان ولم يحملوا مقوول ومخووف على قولهم غؤور مصدر غار يغور وقؤول؛ لأن غؤور وقؤول وبابهما لا يعتل لتحرك ما قبل الواو المضمومة، وقد زعم الكسائي أنه سمع ذوات الواو على الأصل كقولهم خاتم مصووغ وأجاز فيه كله أن يأتي على الأصل ولعل الذي حكاه الكسائي إنما سمعه من قوم لا يحتج سيبويه بمثلهم ومجيء ذوات الياء على الأصل مشهور في كلام العرب قال الشاعر عباس بن مرداس:

وقد كان قومك يحسبونك سيّدا ... وكفاك أنّك سيّد معيون (١)

" ويجري مفعل مجرى يفعل فيهما فيعتل كما اعتل فعلهما؛ لأنه على مثالهما وزيادته في موضع زيادتهما فيجري مجرى يفعل في الاعتلال كما قالوا مخافة فأجروها مجرى يخاف ويهاب فكذلك اعتل هذا؛ لأنهم لم يجيئوا ذلك المثال من المعتل إلا أنهم وضعوا ميما مكان ياء وذلك قولهم مقام ومقال ومشابه فصار دخول الميم كدخول الألف في أفعل ".

قال أبو سعيد رحمه الله: اعلم أن دخول الميم في أول المصادر يوجب لها من الإعلال ما أوجبه المفعل؛ لأنه ليس بينهما فرق في عدد الحروف ونظم الحركات وذلك قولك مقام ومقال والأصل مقوم ومقول ألقوا حركة الواو على القاف وقلبوها ألفا كما فعلوا ب يخاف ويمال، والأصل يخوف ويمول وكذلك المغاث والمعاش وأصله مغيث ومعيش، فأعلوا الياء فيهما كما فعلوا ذلك في يهاب وينال وأصله يهيب وينيل وإنما أعلوا هذه المصادر من جهتين إحداهما أنها مصادر أفعال معتلة والجهة الأخرى أنهم قد أعلوا ما كان من الأسماء على وزن الفعل كقولهم دار وجار وناب وعار، والأصل دور ونيب فأعلّوه كما أعلّوا قول وبيع وقالوا " قفا ورحا " والأصل " قفو ورحى " فأعلوهما كما أعلوا " غزا ورمى "، فقد حملوا الأسماء على الأفعال في الأفعال إذا اتفقت في الأوزان، فلما كان هذا المصدر أعني مفعل وما جري مجراه يوافق الفعل في عدد الحروف ونظم الحركات حمل عليه في الإعلال. فإن قال قائل: إنما يحمل الاسم على الفعل في الإعلال إذا اتفقا في الوزن والمصدر إذا كان على مفعل فلا نظير له في الأفعال وزنا، إذ ليس في الأفعال مفعل


(١) الأغاني ٦/ ٣٥٨، تاج العروس ٣٥/ ٤٦٣، تاريخ دمشق ٢٦/ ٤٢٨، جمهرة اللغة ٢/ ٩٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>