للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: " وانتصب زيد، لأنه مفعول تعدّى إليه فعل الفاعل ". وقد بينا هذا.

ثم قال: " إن قدّمت المفعول وأخّرت الفاعل جرى اللفظ كما جرى في الأوّل، وذلك قولك: ضرب زيدا عبد الله؛ لأنك إنما أردت به مؤخّرا ما أردت به مقدّما، ولم ترد أن تشغل الفعل بأوّل منه، وإن كان مؤخّرا في اللفظ، فمن ثمّ كان حد اللفظ أن يكون فيه مقدما وهو عربيّ جيّد كثير، كأنهم يقدمون الذي بيانه أهم لهم، وهم ببيانه أعني، وإن كانا جميعا يهمّانهم ويعنيانهم ".

قال أبو سعيد: أمّا قولهم: " ضرب زيدا عبد الله "، فإنهم قدّموا المفعول على الفاعل لدلالة الإعراب عليه، فلم يضرّ من جهة المعنى تقديمه، واكتسبوا بتقديمه ضربا من التوسّع في الكلام؛ لأن في كلامهم الشّعر المقفّى والكلام المسجّع، وربما اتفق أن يكون السجع في الفاعل فيؤخّرونه.

فإذا وقع في الكلام ما لا يتبين فيه الإعراب في فاعل ولا مفعول قدّم الفاعل لا غير، كقولهم: " ضرب عيسى موسى "، فعيسى هو الفاعل لا غير، وإن بان الإعراب في أحدهما جاز التقديم والتأخير، كقولك: " ضرب زيدا عيسى " و " ضرب عيسى زيدا ".

والفاعل كيفما تصرفت فيه الحال، فهو الذي يبنى له الفعل، والمفعول كالفضلة في الكلام؛ للاستغناء عنه، والفاعل وإن كان مؤخرا في اللفظ فإن تقديره التقديم؛ لأن الفعل لا يستغنى عنه.

وقول سيبويه: " فمن ثم كان حدّ اللفظ أن يكون فيه مقدّما ".

يعني إنما أردت أن تشغل الفعل بالفاعل وتبنيه له، وإن كان في اللفظ مؤخرا، أو لم ترد أن يبنى الفعل لاسم قبل الفاعل، وهو قوله: " أن تشغل الفعل بأوّل منه " يعني بالمفعول الذي هو قبله، لأن حدّ اللفظ أن يكون مقدّما، وليس يريد بقوله: " حد اللفظ " أن يكون تقديم الفاعل هو حدّ اللفظ الذي لا يحسن غيره، وإنما نريد بحد اللفظ: ترتيبه وتقديره.

وقوله: " وهو عربي جيّد كثير ". يريد به تقديم المفعول، وردّ كلامه هذا إلى قوله:

" وإن قدّمت المفعول وأخّرت الفاعل ".

وقوله: " كأنهم يقدّمون الذي بيانه أهم ". معنى ذلك أنه قد تكون أغراض الناس في فعل ما أن يقع بإنسان بعينه،

ولا يبالون من أوقعه به، كمثل ما يريده الناس من قتل

<<  <  ج: ص:  >  >>