للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك: " اخترت الرّجال زيدا "، ومثل ذلك قوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا (١) و " سمّيته زيدا " و " كّتّبت زيدا أبا عبد الله " و " دعوته زيدا "، إذا أردت " دعوته " التي تجري مجرى " سمّيته "، وإن عنيت الدّعاء إلى أمر لم يجاوز مفعولا واحدا ".

قال أبو سعيد: اعلم أنّ هذا الباب يشتمل على وجهين من التعدّي؛ أحدهما: أن يتعدّى الفعل إلى مفعولين، وأحد المفعولين فاعل بالآخر فعلا يصل إليه من غير توصّل حرف جرّ، وذلك قولك: " أعطى عبد الله زيدا درهما "، وذلك أن زيدا قد أخذ الدّرهم وهو فاعل به الأخذ، وقد وصل الأخذ منه إلى الدرهم من غير توسّط حرف جر، وكذلك " كسوت بشرا الثّياب الجياد ". وكان الأصل. " أخذ زيد درهما " و " لبس بشر الثّياب الجياد " وقد علم أنّ الأخذ لا بدّ له من مأخوذ منه، واللابس لا بدّ له من كاس، فأردت أن تبيّن من الذي أوصل إليه الأخذ، والذي كساه، فلمّا ذكرتهما لم يكن بدّ من رفعهما؛ لأنهما أدخلا الفاعل في فعله، وهو زيد وبشر، فرفعتهما بفعلهما الذي فعلاه بالفاعل من إيصاله إلى فعله بالمفعول، وهو الدّرهم والثّياب، فاكتفى الفعل بالفاعل وارتفع به، ونصب ما سواه؛ لأن الفعل لا يرفع أكثر من واحد.

والوجه الثاني من وجهي ما يشتمل عليه الباب: أن يتعدّى الفعل إلى مفعول بغير حرف جر، ويتّصل بآخر " من "، ولم يكن المفعول في الأصل فاعلا بالذي فيه حرف الجر، فنزع حرف الجرّ من الثاني، فيصل الفعل إليه، وذلك قولك: " اخترت الرّجال عبد الله ". والأصل: " اخترت عبد الله من الرّجال "، وحذفت " من "، فوصل الفعل إلى الرجال، ولم يكن " عبد الله " فاعلا بالرجال شيئا، كما فعل زيد بالدرهم الأخذ. ومثل ذلك:

" سمّيته زيدا " و " كتّبت زيدا أبا عبد الله " والأصل: " سمّيته بزيد " و " كتّبت زيدا بأبي عبد الله "، ولم يكن زيد فاعلا بأبي عبد الله شيئا.

فإن قال قائل: أنت تقول: " تكنّى زيد أبا عبد الله "، تجعله فاعلا، وتنصب " أبا عبد الله " فتجعله مفعولا له، فهلا جعلته من القسم الأول.

قيل له: ليس في قولنا: " تكنّى زيد أبا عبد الله " و " تسمّى أخوك زيدا " دلالة على أن أحدهما فاعل بالآخر، إنما هو من باب قبول الفعل الذي أوقع به، وهو قولك: " حرّكته


(١) سورة الأعراف، آية: ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>