للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زيد " ثم قال: " وليست (عن) هاهنا بمنزلة الباء في قولك: كفى بالله شهيدا، وليس بزيد؛ لأن على وعن لا يفعل بهما ذلك ولا بمن في الواجب ".

قال أبو سعيد: واعلم أنّ الحروف التي يجوز حذفها على ضربين: منها ما يحذف وهو مقدّر منوي لصحّة معنى الكلام، ومنها ما يكون زائدا لضرب من التأكيد، والكلام لا يحوج إليه، فإذا حذف لم يقدّر. وأما الذي يكون زائدا قولك: كفى بالله وليّا، والمعنى: كفى الله. وليس أخوك بزيد؛ لأن معناه: ليس أخوك زيدا. وما قام من أحد، لأن معناه: ما قام أحد، فإذا حذفنا هذه الحروف، لم يختلّ الكلام، ولا يحوج المعنى إلى تقديرها. وأمّا الذي يقتضيه

معنى الكلام فنحو قولك: " نبّئت زيدا فعل كذا وكذا " تقديره: نبّئت عن زيد؛ لأن " نبّئت " في معنى " أخبرت " والخبر يقتضي " عن " في المعنى، وكذلك: " أمرتك الخير " الباء مقدرة؛ لأن الأمر لا يصل إلى المأمور به إلا بحرف، فأراد سيبويه أن " عن " المحذوفة في قولك: نبّئت زيدا، و " على " المحذوفة في قوله: آليت حبّ العراق، ليستا زائدتين، وأن المعنى يحوج إليهما بأن قال: " على " و " عن " لم يزدادا قط ولا واحدة منهما، ولم يدخلا إلا لمعنى يحوج إليه الكلام، فإذا وجدناها في شيء ثم فقدناها، علمنا أنّها مقدرة، كأنهم لما قالوا: نبّئت عن زيد، ثم قالوا: نبّئت زيدا، علمنا أن " عن " مقدرة، ولو لم تكن مقدرة عند حذفها كانت زائدة عند ذكرها، وهي لم تكن قط زائدة كزيادة الباء في كفى بالله وليس أخوك بزيد.

ومعنى قوله: " ولا بمن في الواجب " يريد: أن " من " سبيلها في الواجب أنها تدخل لمعنى، فإذا حذفت فهي تراد كنحو قولك: " اخترت الرّجال زيدا يريد: من الرجال، وقد تزاد في النّفي، كقولك: " ما قام من أحد "، فعن وعلى في كل حال، ومن في الواجب دون النّفي تدخلن لمعان، فإذا حذفن قدّرن.

قال سيبويه: وليست: أستغفر الله ذنبا، وأمرتك الخير أكثر في كلامهم جميعا، وإنما يتكلم بها بعضهم ".

يعني أنّ حذف حرف الجرّ من هذين الفعلين ليس كثيرا في كلام العرب، وإنما يتكلم به بعض العرب. وليس كلّ ما كان متعدّيا بحرف جرّ جاز حذفه إلا ما كان مسموعا من العرب سماعا، ألا ترى أنك تقول: مررت بزيد، وتكلمت في زيد، ولا تقول: مررت زيدا، ولا تكلمت زيدا، كما تقول: أمرتك الخير، ودخلت البيت، في

<<  <  ج: ص:  >  >>