يعني أن ابتداءك بالنكرة لتحدث عنها غير مستقيم؛ لأن المخاطب ليس ينزّل منزلتك في معرفتها. وحكم الخطاب
المفهوم أن يساوي المخاطب المتكلم في معرفة ما خبّره به، فإذا قال: " كان زيد عالما " فقد كان المخاطب عالما بزيد من قبل، وقد عرف علمه الآن، لإخبار المتكلم إياه، فقد ساواه في الأمرين جميعا، وإذا قال: " كان عالم زيدا " فعالم منكور لا يعرفه المخاطب، ولم يجعله خبرا فيفيده، وقد قدّمنا أنّ الأسماء لا تستفاد، فمعرفة المخاطب بعالم غير واقعة. فلم يساو المخاطب المتكلم إذن؛ لأن المنكور في الإخبار لا يعرفه المخاطب، وإن كان المتكلّم قد رآه وعرفه.
فأما قوله: " فكرهوا أن يقربوا باب لبس ". يعني أن المخاطب يبقى على جهالته في المنكور الذي جعلته اسما.
ثم قال: " وقد تقول: كان زيد الطّويل منطلقا، إذا خفت التباس الزّيدين ".
يعني أنك تنعت الاسم المعروف إذا كان يشاركه في مثل لفظه غيره، بالنعت الذي يميزه من المشاركة في جنسه.
قال: " وتقول: أسفيها كان زيد أم حليما، وأرجلا كان زيد أم صبيّا، تجعلها لزيد؛ لأنه إنما ينبغي أن تسأله عن خبر من هو معروف عنده ".
يعني أنّك إذا أدخلت الاستفهام على " كان " لم تغيّرها عن الحكم الذي ذكرناه من جعل المعروف الاسم والمنكور الخبر؛ لأنّك إنما تسأله أيضا عمّن هو معروف عندك وعنده، ليفيدك عنه ما لا تعرفه، فيما تقدّر أنه يعرفه. وذلك الشيء الذي تسأل إفادته هو الخبر.
قال: " والمعروف هو المبدوء به، ولا يبتدأ بما يكون فيه اللّبس وهو النكرة ".
وقد ذكرنا هذا.
ثم قال: " ألا ترى أنّك لو قلت: كان إنسان حليما، وكان رجل منطلقا، كنت تلبس ".
يعني أن هذا الكلام إنما يجعل للمخاطب العلم بوقوع علم إنسان لا يعرفه من جملة الناس، وهو قد كان يعلم هذا قبل إخبار هذا المخبر إيّاه، فكرهوا أن يبدؤوا بهذا المنكور بسبب اللبس الذي ذكرناه.