للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيّنّاه، وضمير النكرة لا يستفيد منه المخاطب أكثر من النّكرة، ألا ترى أنّ قائلا لو قال:

" مررت برجل وكلّمته "، لم تكن الهاء العائدة إلى رجل بموجبة لتعريف شخص بعينه من بين الرجال، وإن كانت الهاء معرفة من حيث علم المخاطب أنها تعود إلى ذلك الرجل المذكور من غير أن يكون تمييز له من بين الرجال، فلا فرق بين أن تقول: " قائم كان زيدا " ويجعل في كان ضمير قائم، وبين أن يقول: " كان قائم زيدا " في باب معرفة المخاطب بالمخبر عنه.

وجواب آخر: أن " ظبي " اسم كان أخرى مضمرة قبل ظبي، وكان الثانية تفسير لها، ويكون اسم كان الذي أراده سيبويه ظبي.

وأما ارتفاع ظبي فإنه على وجهين: إما أن يكون مبتدأ، وتكون كان واسمها وخبرها في موضع خبره، كما تكون الجمل أخبار المبتدآت، وإما أن يرتفع بكان أخرى مضمرة؛ لأن ألف الاستفهام بالفعل أولى، فيكون تقديره: " أكان ظبي كان أمّك " فيكون ظبي مرتفعا بكان، ويكون: " كان أمك " تفسيرا لكان المضمرة، ويكون كان المضمرة بمعنى وقع، وهذه الأخرى الظاهرة تفسيرا للمضمرة لتقارب معناهما.

وهذا الشاعر إنما يصف إضراب النّاس عن التشرّف بالأنساب، وتقارب ما شرف منها ووضع، فقال: لا تبالي بعد هذا الوقت إن دام ما نحن فيه إلى من نسبت من الأمهات.

وأما البيت الثاني، فإنه جعل (مزاجها) خير يكون و (عسل وماء) اسمها، فهو مطابق لما استشهد به سيبويه من غير اعتراض عليه. غير أن في هذا البيت ما يسهّل جعل النكرة اسما من جهة المعنى، وذلك أن الذي يستفيده المخاطب بعسل وماء منكورين، هو الذي يستفيده منهما معروفين؛ لأنّهما نوعان متشابها الأجزاء، ألا ترى أنّ قائلا لو قال لك:

شربت الماء والعسل، أو قال: شربت ماء وعسلا، كان معناهما عندك واحدا، لعلمك أنه إذا قال: العسل والماء أنّه لا يأتي على شربهما أبدا، وأن غرضه من ذلك البعض، واستواء أجزائهما أن العسل والماء يقال لما قلّ منه وكثر: عسل وماء، ألا ترى أنّ جرعة ماء وأقلّ منها يقال لها ماء، وأن دجلة والفرات والبحر ماء، فأجزاؤه متساوية ومما سهل ذلك أيضا أن الضمير الذي في مزاجها يعود إلى منكور، وهي سلافة. وقد بيّنا ما في ذلك.

وكان أبو عثمان المازني ينشد:

<<  <  ج: ص:  >  >>