للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقولك: اجتمع أهل اليمامة و " ذهب بعض أصابعه " أجود من " اجتمعت " و " ذهبت "، والتأنيث على الجواز.

ومثل تأنيث ما ذكرنا قول الأعشى:

وتشرق بالقول الّذي قد أذعته ... كما شرقت صدر القناة من الدّم

ومثل ذلك قول جرير:

إذا بعض السّنين تعرّقتنا ... كفى الأيتام فقد أبي اليتيم

فأنّث " تعرّقتنا " والفعل للبعض، إذ كان يصح أن يقول: إذا السّنون تعرّقتنا، وهو يريد بعض السّنين.

وقال جرير أيضا:

لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشّع (١)

فأنّث " تواضعت " والفعل للسّور؛ لأنه لو قال: تواضعت المدينة لصح في المعنى الذي أراده بذكر السور.

وكان أبو عبيدة معمر بن المثنى يقول: إن السّور جمع سورة، وهي كل ما علا، وبها سمّي سور المدينة سورا، فزعم أنّ تأنيث " تواضعت "؛ لأن السور مؤنث؛ إذ كان جمعا ليس بينه وبين واحدة إلا طرح الهاء، كنحلة ونحل، وإذا كان الجمع كذلك جاز تأنيثه وتذكيره. وقال الله تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢) فذكّر. وقال الله تعالى:

وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (٣) فأنث.

فأما قوله: " والجبال الخشّع " فمن الناس من يرفع الجبال بالابتداء، ويجعل الخشع الخبر، كأنه قال: والجبال خشّع. ولم يرفعها بتواضعت؛ لأنه إذا رفعها بتواضعت ذهب معنى المدح؛ لأن الخشّع هي المتضائلة، فإذا قال: تواضعت الجبال المتضائلة لموته لم يكن ذلك طريق المدح، وإنما حكمه أن تقول: تواضعت الجبال الشّوامخ.

وقال بعضهم: الجبال مرتفعة بتواضعت والخشّع نعت لها، ولم يرد أنها كانت خشّعا


(١) البيت في ديوانه ص ٣٤٥، وسيبويه ١/ ٢٥، والخزانة ٢/ ١٦٦، واللسان (سور).
(٢) سورة القمر، آية: ٢٠.
(٣) سورة ق، آية: ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>