يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا ... من هؤليّئكنّ الضّال والسّمر (١)
فصغر أملح، والفعل لا يصغر.
واحتج أيضا بقولهم:" ما أقوم زيدا " ولو كان فعلا لم تصح الواو: ألا ترى أنك تقول: " أقام يقيم " ولا تقول: " أقوم يقوم ".
والجواب عن هذا: أن " أحسن " في التعجب، وإن كان فعلا، فقد أشبه الاسم؛ للزومه لفظ الماضي، وقلة تصرفه، ولأن معنى:" ما أحسن زيدا " ومذهب التعجب فيه- كمعنى: زيد أحسن من غيره، وزيد أقوم من غيره. وقولنا:" أحسن من غيره "، هو اسم فيه معنى التعجب والتفضيل فلما كان " ما أحسن زيدا " زائلا عن تصرف الفعل، مشبها للاسم في لزومه لفظا واحدا، حمل على الاسم الذي هو نظيره في جواز التصغير، وترك الإعلال.
وكان الأخفش يجعل " ما " بمنزلة " الذي "، ويجعل " أحسن " صلة لها، وفي " أحسن " ضمير " ما "، و " عبد الله " مفعول " أحسن "، والجميع في صلة " ما " والخبر محذوف، كأنه قال:" الذي أحسن عبد الله فيه ".
وأنكر سيبويه هذا، وذكر أن " ما " غير موصولة.
فقال الأخفش: إنما تكون " ما " غير موصولة في الاستفهام والمجازاة. فالاستفهام قولك:" ما عندك؟ " والمجازاة قولك: " ما تفعل أفعل "، وإذا كانت في الخبر فهي بمعنى " الذي " موصولة كقولك: " ركبت ما عندك " و " شربت ما أصلحته " أي ركبت الذي عندك، وشربت الذي أصلحته، قال: والتعجب خبر، فينبغي أن يكون " ما " فيه موصولة.
فقال سيبويه: العلة التي من أجلها كانت " ما " في الاستفهام والمجازاة غير موصولة، هي بعينها موجودة في التعجب؛ وذلك أن المستفهم إنما يستفهم عما لا يعرف، فلو وصل " ما " لأوضح، واستغنى عن الاستفهام. والمجازى إنما يريد أن يعمّ ولو وصل لحصل على شيء بعينه، فاستغنى عن الصلة، والمتعجب مبهم فلا يصح أن يصل " ما " فيخرج عن الإبهام؛ لأن الصلة إيضاح وتبيين.
وقد جاءت " ما " غير موصولة في الخبر كقولك: " غسلته غسلا نعمّا " يريد: نعم
(١) البيت للعرجي: الخزانة ١/ ٤٥، ٤/ ٩٥ - ابن يعيش ٥/ ١٣٥، ٧/ ١٤٣.