للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنازِلَ (١) بالرفع، وقوله تعالى: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ (٢) بالنصب، وذلك أن قبل قوله: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ، قوله: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ (٣) فالجملة التي قبل " القمر " صدّر فيها اسم لا فعل، والجملة التي قبل قوله:

وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ (٤)، قد صدر فيها الفعل، فعطف كل واحدة من الجملتين على ما يشاكلها من الجملة التي قبلها.

قال سيبويه: (وإنما اختير النصب ها هنا؛ لأن الاسم الأول مبني على الفعل، فكان بناء الآخر على الفعل أحسن عندهم، إذ كان يبني على الفعل، وليس قبله اسم مبني على الفعل).

يعني: لما كانوا يقولون: " زيدا ضربته "، فينصبون " زيدا " بفعل مضمر، وليس قبله اسم قد عمل فيه الفعل، كان نصبه إذا تقدمه اسم يعمل فيه الفعل أولى.

قال: (ليجري الآخر على ما جرى عليه الذي قبله، إذ كان لا ينقض المعنى لو لم تبنه على الفعل).

يعني: لو قلت: " رأيت عبد الله، وزيد مررت به "، لكان معناه كمعناه، إذا قلت:

" وزيدا مررت به "، فإذا استوى المعنيان، وكان في أحد اللفظين مشاكلة ما قبله كان أولى.

قال: (وهذا أولى أن يحمل عليه ما قرب جواره منه، إذ كانوا يقولون: " ضربوني وضربت قومك ").

يعني: أن قولنا: " رأيت عبد الله، وزيدا مررت به "، أولى بعطف الثاني على الأول في تقديم الفعل لطلب حمل الشيء على مجاوره، وإيثار تطابق اللفظين من قول العرب " ضربوني وضربت قومك "؛ لأن قولك: " ضربوني " فيه إضمار قبل الذكر، وأعملوا الفعل الثاني في " قومك "؛ لأنه يليه ويقرب منه؛ فإذا كان قد حملهم حمل الشيء على مجاوره على أن احتملوا الإضمار قبل الذكر، كان حمل الجملة الثانية على الفعل لمطابقة الجملة الأولى أولى.


(١) سورة يس، آية: ٣٩.
(٢) سورة الإسراء، آية: ١٣.
(٣) سورة يس، آية: ٣٧.
(٤) سورة الإسراء، آية: ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>