للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرف المضارعة لما حذفت " أن " مع الفاء والواو، والدليل على ذلك أن الشاعر إذا اضطر إلى حذفها حذفها، وبقي سائر الكلام على حاله، أنشد الأخفش:

محمد تفد نفسك كلّ نفس ... إذا ما خفت من أمر تبالا (١)

أراد لتفد نفسك كل نفس.

وقال آخر:

فقلت ادعي وأدع فإن أندى ... لصوت أن ينادي داعيان (٢)

أراد: ولأدع

وقد أنكر " أبو العباس محمد بن يزيد " البيت الأول، وقد أنشده كثير من الناس إلا أنا أردنا أن نبين أن حذف العامل لو كان على ما زعموا، لم يوجب تغيير الصورة من المعمول فيه.

فإن قال قائل: " إنما كان الأصل فيه: " لتقم "، و " لتذهب " في فعل الأمر إلا أنه كثير في كلامهم، فحذفوه استخفافا، كما قالوا: " أيش " و " يلّمة "، والأصل " أي شيء "، و " ويل أمّه وقالوا: عم صباحا، والأصل: أنعم صباحا من نعم ينعم، ويقال: نعم ينعم، ونعم ينعم " و " عم صباحا " من المكسور العين، وحذفوا النون التي هي فاء الفعل استخفافا، لما كثر في كلامهم التحية بهذا، وغير ذلك من المحذوفات.

قيل هذا قياس مطرح، وتشبيه بين شيئين لا يشتبهان؛ وذلك من قبل أن المحذوف إنما يكون في شيء إذا كثر الكلام (به) والترداد له، ولا يكون في نظائره إذا نقص عن مثل حاله في الكثرة التي جاز معها الحذف، وقد رأينا فعل الأمر فيما كثر استعماله وما قل من الأفعال إذا أمروا به صاغوه هذه الصيغة نحو قولهم: اعرنزم، واحرنجم، ونحو هذا من الأفعال التي هي أقل من ذا أو مثله في القلة، يطرد فيه الحذف، فلو كان ذا على ما زعم الزاعم، لاختص الحذف بالكثير الدائر المستعمل في كلامهم، وما كان يتعدى الحذف إلى ما يقل ويشذ حتى يصير بابا مطردا وقياسا لازما.

ألا ترى أنا لا نقول قياسا على: " لم يك "، في معنى: لم يكن: " لم يص " " ولم يه " في


(١) في شرح الكافية منسوب إلى حسان بن ثابت ٢/ ٢٥٢، ونسبه صاحب الشذور إلى أبي طالب.
الخزانة ٣/ ٦٢٩، شرح ابن يعيش ٧/ ٣٥.
(٢) اختلفوا في نسبته. شرح ابن يعيش ٧/ ٣٣، سيبويه ١/ ٤٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>