للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تخصيص على مقدار خصوصه في نفسه، كقولك: " هذا غلام زيد " فيتعرف الغلام بزيد وتقول: " هذا غلام رجل صديق لك "، فيخرج الغلام عن حد الإبهام الذي في قولك:

" هذا غلام " حتى ينحصر ملكه على صديق له، دون سائر الناس، وصديق له أخص من واحد من الناس مبهم.

ووجه ثالث: إن الفعل لا يكون إلا نكرة، ولا يكون شيء منه أخصّ من شيء، فإذا كانت الإضافة إنما ينبغي لها زيادة معرفة المضاف، ولا سبيل إلى أن يعرف المضاف إليه، حتى يكون مقصورا إليه معروفا، فيتعرف المضاف بذلك، لم يصح.

ووجه رابع: وهو أن الفعل والفاعل جملة، ولا يجوز أن تقول: " هذا غلام زيد يقوم، كذلك لا تقول: " هذا غلام يقوم زيد "؛ لأنه جملة كالابتداء والخبر.

ووجه خامس: إن الفعل إنّما هو اللفظ الدال على حدث في زمان ماض أو غير ماض، فلو أضفنا إلى الفعل كنا قد أضفنا إلى الحدث والزمن، لا إلى أحدهما، ولا يصح الإضافة إلى زمان غير متحصل، وإنما يضاف إلى الزمان

الدال على وقت منه بعينه؛ لأن الزمان الماضي يقع على " أمس " وما قبله، من الأزمنة التي لا يحصلها وقتا وقتا، وعلى ما بعده من الأوقات إلى ما يلينا من أقربها، فلا يتبين المضاف إليه من الزمان، ولا يتخلص من غيره.

ويدل على صحة هذا الوجه أن الزمان المستقبل قد يكون ماضيا، وقد كان الماضي مستقبلا، فلا معنى للإضافة إلى زمان لا يختص لنفسه حالا يتبين بها من غيره، والإضافات إنما حكمها والفائدة فيها: إخراج المضاف من حالة مبهمة إلى ما هو أخصّ منها.

وذكر أبو الحسن الأخفش في ذلك علّتين:

إحداهما: أنه قال: لو أضفنا إلى الفعل لاحتجنا بعده إلى الفاعل، وقد علمنا أن المضاف إليه يقوم مقام التنوين، ولم يبلغ من قوة التنوين عنده أن يقوم مقامه شيئان.

والعلة الثانية، زعم أن الأفعال أدلّة على غيرها، يعني على الحدث والزمان وعلى فاعليها ومفعوليها.

وزعم أن المضاف إليه مدلول عليه؛ قال: والأفعال أدلة، وليست بمدلول عليها، فلا يضاف إليها؛ لأن الإضافة إلى المدلول عليه لا إلى الدليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>