قال أبو سعيد: اعلم أن سيبويه قدر حالة الرفع بعدهما على الابتداء بهذا الكلام الذي ذكرناه.
فأما " حيث ": فلا شك في جواز ذلك فيها؛ لأنها قد تخرج عن معنى المجازاة إلى أن يكون ما بعدها مبتدأ وخبرا كقولك: " لقيته حيث زيد جالس "، فيكون نظيرها من الزمان " إذ "، كقولك: " لقيته إذ زيد جالس ".
وأما " إذا ": فلا تقع إلا للمستقبل، ولا تنفك عن معنى المجازاة، فقال قائلون: متى ما وليها الاسم، فلا بد من أن يكون الفعل بعدها مقدرا، فإذا قلت: " اجلس إذا عبد الله جلس " فتقديره: " اجلس إذا جلس عبد الله جلس " كما أنا إذا قلنا: " اجلس إن عبد الله جلس "، فتقديره " اجلس إن جلس عبد الله.
والبصريون يقولون في قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ (١) إن " أحد " يرتفع بفعل مضمر لا بالابتداء، كأنا قلنا:" وإن استجارك أحد من المشركين استجارك "، فالظاهر تفسير للمضمر قالوا:
ومما يقوى أن " إذا " لا بد من فعل بعدها، أنك لا تقول:" اجلس إذا عبد الله جالس " كما تقول: " اجلس حيث عبد الله جالس "، فقد بان الفصل بينهما.
وللمحتج عن سيبويه أن يقول: لما كانت " إذا " غير عاملة في الفعل كعمل " إن "، جاز أن يكون الواقع بعدها مرفوعا بالابتداء، ويكون معنى المجازاة يصح لها بالفعل الذي بعد المبتدأ، كما أن " لو " هي بالفعل أولى، وفيها معنى المجازاة. فإذا قلت:" لو أنك جئتنا لأكرمناك "، ف " إنك جئتنا " في موضع اسم مبتدأ، وجاز لأن الفعل الذي هو خبر " أن " يصحح لها معنى المجازاة.
وللقائل الأول أن يقول: قولك: " لو أنك جئتنا لأكرمناك " يرتفع أن بفعل مضمر؛ لأن " أن "، وما بعدها بمنزلة المصدر، فيكون تقديره:" لو وقع أنك جئتنا " على معنى:
لو وقع مجيئك.
وللمحتج عن سيبويه أن يقول: لو كان الأمر كذلك لجاز: " لو أن زيدا قائم